لك أن تتصور ردة فعل علي زيدان،
رئيس الحكومة الليبية المختطف، وهو يرى مفرزة تابعة لفرع أمني من وزارة داخليته
يقتحم عليه الفندق، ويقوده إلى مكان مجهول، فيما تقوم ميليشيا رسمية تسمى "غرفة
عمليات ثوار ليبيا"، تعمل تحت إمرة رئيس المؤتمر العام (البرلمان الليبي ) بتبني
العملية في بيان رسمي، وتعلن النفير العام لملاحقة الأجانب.
يأتي ذلك بعد خمسة أيام من عملية اعتقال قوة أميركية لنزيه الرقيعي المعروف باسم
"أبي أنس الليبي"، القيادي المفترض في تنظيم القاعدة، والذي أكدت الولايات المتحدة
أنها "اعتقلته في طرابلس، ونقلته خارج ليبيا، بعلم وتنسيق مع الحكومة الليبية"،
وكأنها هي التي أمرت أتباع القاعدة في النظام الليبي باختطاف رئيس الحكومة.
العملية وما يكتنفها من غموض، تكشف حالة تفكك وتفسخ الدولة الليبية، على خلفية
صراعات ثوار النيتو فيما بينهم على اقتسام ما تحت اليد من ريع، وما كان لها أن تحتل
سطرا واحدا من شريط الأخبار، لو لم تكن تعد بما هو أخطر من اختطاف رئيس الحكومة،
باختطاف بلد عربي بالكامل، يقوده السحرة نحو الانتحار الجماعي، أدناه ضررا تنفيذ
مشاريع تقسيم ليبيا إلى دويلات ثلاث، تشتغل عليها اليوم المخابرات الغربية
والإسرائيلية.
البلد برمته محتجز سياسيا، مستباح أمنيا، قد أوقفت فيه الميليشيات تدفق النفط،
وأوقف فيه قادتها عودة الحياة إلى بلد، كان قبل ثلاث سنوات من أكثر الدول العربية
رخاء واستقرارا وأمنا، تضطلع حكومته بدور إفريقي قيادي أقلق وقتها المركب الأطلسي
الآثم، خاصة بعد أن شرع القذافي في التحضير مع الاتحاد الإفريقي لسن "الدينار
الذهبي الإفريقي" الآبق، كبديل للدولار الأمريكي الربوي النافق.
العملية تكون أيضا كاشفة لمسار تسريع تقسيم ليبيا ومعها اليمن السعيد، تماما كما
جاء على صفحات "النيويورك تايمز" منذ أسابيع، لأن التركيبة القبلية الميليشياوية
للنظام الجديد في ليبيا كما في اليمن، لا تحتاج إلى أكثر من عملية من هذا النوع،
حتى تسرع عملية التفكيك التي سوف تطال لا محالة دولا عربية أخرى كما جاء في تقرير
الصحيفة.
وعلى الأرجح، فإن المركب الأطلسي، الذي فقد السيطرة على مجريات المشتبه من ربيع
الشعوب، المرتد في مصر، المهزوم في سورية، يكون قد انتقل، بما نعلمه عنه من مرونة
تكتيكية، من مسار بناء "الشرق الأوسط الكبير" إلى بناء شرق أوسط متعدد، بعدد قبائله
وملله ونحله، وطوائف ما بقي من عربه وعجمه، قبل أن يرحل عنه وهو مطمئن، على أن
الأرض لن يرثها من بعده، لا الدب الروسي ولا تنين الصين، وأن "الإمارة الإسلامية"
الوحيدة التي قد يسمح بها لدعاة تجديد فريضة الجهاد الخاطئ تحت راية النيتو
الكاذبة، هي "إمارة أرباب البازار على الحجارة والدمار"...
الشروق
Navigate through the articles | |
ارفعوا أيديكم عن القضاء | مشاركة المعلومات الاستخبارية بين دول شرق أفريقيا أساسي في الحرب على الارهاب |
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع
|