«طالما القضاء بخير إذن
فرنسا بخير»، هكذا كان قول الرئيس الفرنسى شارك ديجول بعد الحرب العالمية الثانية،
عندما أخبروه أن جميع المؤسسات طالها الدمار، فسألهم: وماذا عن القضاء، فردوا:
القضاء بخير. فقال: إذن فرنسا بخير. وفى مصر لم تواجه مؤسسة بعد ثورة يناير تحديات
بقدر ما تعرض القضاء، الذى حمل على عاتقه محاكمات رجال نظام مبارك، والمتهمين بقل
المتظاهرين فى القاهرة والمحافظات، وهو الذى نظر وكشف قضية هروب المسجونين من وادى
النطرون. وكانت أحكام القضاء مثار انتقادات وتعليقات، لأشخاص وضعوا أنفسهم مكان
القضاء، وأصدروا أحكاماً مسبقة، أو طلبوا عقوبات محددة. كان القضاء يحكم بالقانون،
بينما هناك من يطالب بأحكام إدانة يرى القضاء أن أدلتها غير كافية، وتمت مهاجمة
القضاء بينما الجهة المطالبة بتقديم أدلته هى السلطة التنفيذية، وتحولت أحكام
القضاء إلى مجال للمزايدة والتصارع السياسى الأمر الذى أثر بالفعل على صورة القضاء.
كان القضاء أكثر المؤسسات التى تعرضت لضغوط ومحاولات من السلطة التنفيذية للسيطرة
عليها وحصارها، وأيضاً محاولات المعارضة لركوبها وتوظيفها فى المعارك والخلافات،
كان هذا فى نظام مبارك، وأيضاً فى نظام الإخوان ومرسى.
مع العلم أن المحكمة الدستورية ومجلس الدولة، لم يتعرضا للحصار والهجوم فى تاريخ
مصر مثلما جرى مع جماعة الإخوان، التى كانت تطلق كوادرها لحصار مجلس الدولة، لمنعه
من إصدار أحكامه، والمحكمة الدستورية العليا تعرضت هى الأخرى لأطول حصار لمحكمة فى
التاريخ المعروف.
كان مجلس الدولة والمحكمة الدستورية هدفا لنظامى مبارك ومرسى، لأنه كان حجر عثرة
بأحكامه ضد محاولات السلطة التنفيذية التغول، وإصدار قرارات وقوانين جائرة، فقد كان
مجلس الدولة هو الذى أصدر أحكاما ببطلان عمليات بيع شركات القطاع العام، وتصدى
للخصخصة الفاسدة. ولهذا تعرض لانتقادات من الحزب الوطنى، وكانت هناك مساع لانتزاع
صلاحياته، والتقليل من قوته، بينما ظل مجلس الدولة هو مجلس الشعب الحقيقى بأحكامه
فى مواجهة السلطة.
ثم جاء دستور 2012 الذى تم فيه انتزاع صلاحيات مجلس الدولة وإسنادها لهيئات أخرى،
كالنيابة الإدارية، وهيئة قضايا الدولة. وهو ما اعترض عليه مجلس الدولة والقضاء،
ونفس الأمر فى المحكمة الدستورية العليا التى كانت مصنفة، ثانى أهم محكمة عليا فى
العالم، وتم التلاعب فى صلاحياتها وتركيبتها فى دستور الغريانى، الذى كان رجل قضاء،
لكنه تبنى وجهة نظر الجماعة فى القضاء.
واليوم يدور الجدل مرة أخرى، ويعلن مجلس الدولة اعتراضه على انتزاع صلاحياته، وهو
أمر لا يعنى أن تبقى الهيئات القضائية فوق القانون، لكن أن تظل القيم والصلاحيات
التى حمت مصالح الشعب قائمة، وعليه فإن الجدل القائم اليوم، يحتاج بالفعل إلى أن
تتفهم جميع الجهات، أن الحوار والقواعد المستقرة، هى السبيل لقضاء مستقل، لاتكون
أخطاؤه فوق المساءلة، وإنما تكون من خلال مؤسسة القضاء، وبشكل لايطعن فى صورة
القضاء. المهم أن يسعى الدستور لفصل حقيقى بين السلطات، حتى لا تجور سلطة على أخرى.
وأن يبقى القضاء بعيداً عن تأثيرات السياسة، أو المزايدات الحزبية. وأن يرفع الجميع
أيديهم عن القضاء. حتى يمكن أن تكون مصر بخير.
اليوم السابع
Navigate through the articles | |
مناشدات متزايدة لتعزيز سلطات جهاز الاستخبارات الوطني في كينيا | اختطاف ليبيا |
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع
|