ليس دفاعا عن القذافي، لو تساءلنا
بكلّ براءة وبراعة: أين كانت ليبيا وأين أصبحت بعد سنتين من تصفية العقيد؟ ثم أين
"أصدقاء ليبيا" الذين اجتمعوا ووعدوا بتعمير ليبيا؟ وأين قوات (الناتو) التي زعمت
"تحرير" الشعب الليبي وإعادة بناء ليبيا؟
إن ما يحدث في ليبيا الشقيقة، وهو ما لا يختلف كثيرا عمّا يجري في تونس ومصر، وأكثر
دموية وأحقادا في سوريا، يؤكد إلى ما لا نهاية، أن المقصود من وراء تحريك ورعاية
"الربيع العربي"، هو ليس القضاء على بن علي والقذافي ومبارك وبشار؟
لم يعد خافيا أن الهدف هو تدمير تونس وليبيا ومصر وسوريا، بمعاول التدمير وتفريخ
المليشيات المسلحة والتحريض على الاقتتال، وكلها مشاهد تمنع حدوث الاستقرار ووحدة
الشعب، وبعدها يسهل قطف الثمار من طرف "لفيف أجنبي" هندس ودبّر وتآمر ثم نفّذ
بأيادي غيره!
عندما يُعاد تشغيل فيديوهات قتل القذافي والتنكيل بجثته، تنكشف الدملة التي تفجّرت
بين أحضان العرب والمسلمين، فالعملية لم تكن عادية ولا تلقائية، وإنـّما عملية
مدروسة لنشر الأحقاد والضغائن وتغذية القلاقل بين الليبيين، وحتى بين شعوب الدول
العربية والمسلمة!
هذه هي واحدة من النتائج المباشرة لدول يضع فوق ترابها أمثال
الصهيوني المدعو بيرنارد ليفي، أرجله، ويرعى بنفسه عمليات عسكرية
اندلعت ومازالت مستمرة رغم تحقيق "الهدف!"
أليس استمرار "الحرب" بين الأشقاء الفرقاء في سوريا الجريحة بهذه العنفوانية،
واستمرار سقوط مئات وآلاف الضحايا من الأطفال والشيوخ والنساء والأبرياء والعزّل،
يستدعي التساؤل عن "سرّ" طول هذه الحرب التي تكاد تستأصل النسل وتبيد الشعب وتمسح
سوريا الحضارة؟
أليس في هذه البلدان "المستهدفة" رجال راشدون يتدخلون بهدف أن
تضع الحرب أوزارها، وينتهي حمّام الدمّ وتنتهي معه الآلام
والأحزان، وتـُغلق قوائم القتلى والأرامل واليتامى والثكالى
والمعطوبين؟
هل وصل الحال بالإخوة في البلد الواحد، إلى هذا الحدّ من المواجهات الدامية؟ في وقت
كان المطلوب منهم التحارب بالأفكار بدل الأسلحة، والتراشق بالحلول والبدائل بدل
القذائف والصواريخ، والتطاحن بخدمة الوطن والمواطن بدل دكهم بالدبابات والمدرّعات!
إن ما يحدث في بلدان عربية شقيقة، لا يخدم أبدا لا هؤلاء ولا أولئك، مثلما لا يشرّف
أي جزء من المجموعة العربية والإسلامية، التي فشلت ــ إلى أن يثبت العكس ــ في مهمة
الصلح والتسوية و"معاقبة" الذي كان سببا في المأساة، مهما كان موقعه أو انتماؤه!
من حقّ الغرب والمتآمرين أن يضحكوا على أمة مستهترة ومنبطحة ومتآكلة.. أمة تتقاتل
في ما بينها، إمّا على السلطة أو الجاه أو الخيانة أو العمالة، ولذلك تستمر الحروب
وتستيقظ الفتن النائمة، وتعجز الألسنة عن الدعوة إلى الخير والسّلم والسلام.. وتلكم
هي الطامة الكبرى !
سنتان عن تصفية أو وفاة أو مقتل أو اغتيال القذافي، ولا تهمّ هنا التسميات والأوصاف
لكن الأهم في المهم، هل هذه هي ليبيا التي أرادها الليبيون؟ إلى متى يبقى الخيّرون
مكتوفي الأيدي ومربوطي اللسان؟ وإلى متى يستيقظ العرب والمسلمون لإنقاذ بعضهم البعض
من تماسيح النظام العالمي الجديد؟
الشروق
Navigate through the articles | |
تونس خضراء بلا ربيع.. | إرهاب أسود حصاده أمام كنيسة الوراق |
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع
|