المقالات و التقارير > تونس خضراء بلا ربيع..

تونس خضراء بلا ربيع..

تونس الخضراء هكذا عرفناها، وهكذا كتبت السير وكتب التاريخ، وفي الروايات الشعبية أن بني هلال حاصروها أياما طويلة، قبل أن يقتلوا حاكمها الزناتي خليفة، وفي أثناء المعركة الطويلة التي اشتهرت بأشعارها وأسمارها، يحكى أن ذياب بن غانم، فارس بني هلال الأشم كان في إحدى صولاته في ساح الوغى يقطع الرؤوس، ويجندل الأبطال حتى أصاب رمح فرسه المسماة الخضراء والتي يربطها بفارسها علاقة خاصة كتلك التي ربطت فرسان العرب بخيولهم.. وأجمع بنو هلال أن يمنحوا ذياب بن غانم، تونس الخضراء مكافأة على فقدان فرسه الخضراء بميدان القتال..

تونس هذه الجميلة والساحرة والطرية والرطبة التي أجادت السياحة، وجذب أموال السائحين بعد أن كانت مقرا للعلم والعلماء، وكانت منارة تنوير في المغرب العربي في القرن التاسع عشر، والنصف الأول من القرن العشرين.. تونس هذه ابتليت بأنظمة حكم في نصف قرن أمعنت في تهميش طاقاتها، وجبرها على وجهات نظر شاذة حول المرأة والشريعة والمستقبل، في الثقافة والسياسة والدين.. فعادت تونس الآن لا تصلح للسمر ولا للحكايات والروايات ولا للسياحة، ولم يعد لتونس من خضارها إلا اسمها ولم يزدها الربيع إلا احتراقا.

جاء المطاردون والمعتقلون والمهمشون المشتتون بأوروبا ودول الخليج إلى الحكم في تونس، فلم يكن من قدرة لديهم على استيعاب أن المهمة الجديدة لا تقبل أحقادا ولا حزبية ولا رغبات شخصية.. ظن البعض أن تربّعهم على كراسي الحكم هو المكافئ الطبيعي لمعاناتهم سنوات طويلة.. فجاءوا إلى الحكم كجائزة ومكتسب مستحق بدون برنامج وبدون رؤية، وهنا كانت المشكلة الكبيرة.

كنا والشعب التونسي ننتظر رؤية في الاقتصاد وفي السياسة، فوجدنا كلاما يلقى على عواهنه، ماذا يريد الحكّام الجدد، اقتصاد السوق أم اقتصادا وطنيا؟ ما هي النظرة للقطاع العام وللعلاقة بالمنظمات الدولية؟ هل هناك سياسة لدعم المواد الأساسية، هل هناك خطة للتصنيع والنهضة والزراعة، هل هناك رؤية للتبادل التجاري، هل هناك فلسفة للشغل والتشغيل واستيعاب البطالين؟

على المستوى السياسي، ما هي وجهة البلاد السياسية والأمنية، ما هي علاقتها بالنظام الإقليمي والدولي، وما هي ضوابط موقفها؟ ما هي القضية المركزية والجوهرية للبلاد، وما هي ثوابت سياستها الدولية؟ وأسئلة كثيرة لم تجد جوابا مقنعا بل جاءت الإجابات مضطربة ومشخصنة كل مرة في اتجاه حسب المتحدث، ولم تجئ النهضة، وهي حزب مفترض أن يكون إسلاميا بأي ثابت له علاقة بانتماء سياسي للجغرافيا والثقافة..

تونس لم تكن خضراء وهي في ظل حكم استبدادي من بورڤيبة إلى زين العابدين، وهي ليست خضراء الآن بعد أن أصبح حكّامها مبعثرين ومتناوشين، ويقدمون الحكم كمكافئ لمعاناتهم فيوزعونه على الأصهار والأقارب..

تونس نجحت في إسقاط الفساد المنظم ولكنها فشلت في اقامة الصلاح المنظم، ولازالت الجهود الطيّبة متناثرة، فهل يستدرك الإسلاميون والوطنيون ما فات، ويتقدموا متجاوزين مصالحهم الحزبية وروح المحاصصة، والمكتسبات لبناء تونس لتصبح خضراء تسر الناظرين؟

الشروق


Navigate through the articles
Previous article حلال لقطر حرام على مصر القذافي‮.. ‬والآن؟ Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع