المقالات و التقارير > المدرسة‮ ‬الجزائرية‮ ‬والمرتبة‮ ‬المائة‮ ‬عالمياً

المدرسة‮ ‬الجزائرية‮ ‬والمرتبة‮ ‬المائة‮ ‬عالمياً

يثير تصنيف أحد التقارير الدولية المدرسة الجزائرية في المرتبة المائة عالمياً، الكثير من التساؤلات حول أسباب الانحدار إلى هذا الدّرَك المتدني مقارنة بمراتب دول أقل منا شأناً، ولا تملك نفس إمكاناتنا.

الميزانية‮ ‬السنوية‮ ‬لوزارة‮ ‬التربية‮ ‬تبلغ‮ ‬10‭ ‬ملايير‮ ‬دولار،‮ ‬وهي‮ ‬ميزانية‮ ‬نحو‮ ‬أربع‮ ‬دول‮ ‬إفريقية‮ ‬أو‮ ‬أكثر،‮ ‬ومع‮ ‬ذلك‮ ‬لا‮ ‬يزال‮ ‬تعليمُها‮ ‬يعاني‮ ‬الهزال‮ ‬والضحالة‮ ‬وضعف‮ ‬المستوى،‮ ‬فأين‮ ‬يكمن‮ ‬الخلل؟

في التسعينيات، ملأت الأقلية الفرنكو- علمانية الدنيا ضجيجاً وصراخاً وظلت تردِّد مقولة "المدرسة منكوبة" طيلة عشرية، طبقاً للقاعدة الذهبية للدعاية النازية "أكذب وأكذب حتى يصدّقك الناس"، وأدى ذلك فعلاً إلى تصديق السلطة لأكذوبتها، فنصّبت لجنة بن زاغو لإصلاح المنظومة التربوية وإخراجها من "نكبتها" برغم كل الاحتجاجات والاعتراضات، ولكن هاهو تطبيق خارطة طريق لجنة الزيغ يصل بالمدرسة الجزائرية إلى مرتبة متدنية عالمياً عوض أن يرقى بها إلى المراتب الثلاثين أو الأربعين الأولى على الأقل، وهاهو وزير التربية بابا أحمد يعترف بفشل‮"‬إصلاحات‮" ‬الزيغ‮ ‬ويعلن‮ ‬عزمه‮ ‬على‮ "‬إصلاح‮ ‬الإصلاح‮" ‬إذا‮ ‬صحّ‮ ‬أصلاً‮ ‬أن‮ ‬نُطلق‮ ‬على‮ ‬ما‮ ‬قامت‮ ‬به‮ ‬لجنة‮ ‬بن‮ ‬زاغو‮ ‬ذلك‮ ‬الوصف‮ ‬النبيل‮.‬

وحينما تركّز أي عملية "إصلاح" تربوية على مسائل إيديولوجية ككتابة رموز الرياضيات بلغةٍ ما أو تكثيف الحجم الساعي لهذه اللغة لأنها "أقربُ إلينا" من اللغة الأولى عالمياً حسب زعم بن زاغو، أكثر مما تركز على مسائلَ جوهرية كإصلاح المناهج والمقررات وطرائق التدريس حتى تتوافق والقدرات الاستيعابية للتلاميذ والطلبة في مختلف الأطوار التعليمية وتفجّر طاقاتهم، فلا يمكن أن تنتظر من "الإصلاح" المزعوم إلا سلخ المدرسة عن هويتها وتضييع الأجيال وتراجع مكانة مدرستنا عالمياً.

يمكنكم إجراء مقارنة موضوعية بين خريجي "المدرسة المنكوبة" في العقود الماضية، والخريجين الجدد في مدرسة إصلاحات الزيغ، لتروا الفرقَ في المستوى. قارنوا أيضاً، بموضوعية ودون انفعال، بين معلمي تلك الفترة وقد كان مستوى أكثرُهم لا يتجاوز الأهلية ومستوى أساتذتها لا يتجاوز الثالثة ثانوي، وبين الكثير من معلمي هذه الفترة وأساتذتها الحاصلين على شهادات عليا لتروا البون الشاسع بين الجيلين، برغم الفرق أيضاً في الإمكانات المتوفرة والأجور... مع احترامنا لكل معلم وأستاذ في المرحلة الحالية يحرص على تطوير قدراته وتجديد معارفه باستمرار‮ ‬لمواكبة‮ ‬المرحلة‮ ‬وتحسين‮ ‬أدائه،‮ ‬ولا‮ ‬يجعل‮ ‬الدرهمَ‮ ‬والدينار‮ ‬همَّه‮ ‬الوحيد‮. ‬

وإذا كان المعلمون والأساتذة الحاليون يشكون غياب سياسة تكوين فعالة للمكوِّنين لتطوير قدراتهم وأدائهم ومواكبة التغيرات الحاصلة في العالم، وهذا أمرٌ صحيح، فإننا نعتقد أيضاً أن كثرة الإضرابات في كل عام دراسي يُعدّ أحد الأسباب الرئيسة في تدهور المستوى التعليمي بالبلد، وما زاد الطينَ بلة منحُ الكثير من الأساتذة الأولوية للدروس الخصوصية على حساب المدرسة العمومية، وكذا كثرة العطل؛ عطلة من أسبوع في الخريف وأخرى من أسبوعين في الشتاء وثالثة مماثلة في الربيع، ثم تأتي عطلة الصيف ليخلد التلاميذ إلى الراحة قرابة أربعة أشهر؛ من منتصف ماي إلى غاية منتصف سبتمبر، فهل يمكن لطلبة لا يدرسون سوى فترة عملية لا تزيد عن 6 أشهر في العام أن يكون تحصيلُهم العلمي عالياً؟ وهل يمكن لمدرسة مثل هذه أن تفتكّ تقدير الدول المحترمة وأن تعترف بشهاداتها أو أن تحظى بتصنيف دولي محترم؟

لا يغرنّكم كثرة ُعدد الناجحين في البكالوريا ومختلف الامتحانات، فتلك مسألة سياسية بالدرجة الأولى، نريد إصلاحاً حقيقياً للمدرسة يُفضي إلى نوعية عالية في التعليم وتكوين رفيع يحفظ هيبتنا بين الأمم ويؤسس لوثبة علمية للبلد، وليس أرقاماً جوفاء عن نسب نجاح عالية في‮ ‬امتحانات‮ ‬بدأ‮ ‬الغشّ‮ ‬يفعل‮ ‬فيها‮ ‬فعلته‮.‬

الشروق


Navigate through the articles
Previous article عينات من طفح المجارى حلال لقطر حرام على مصر Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع