المقالات و التقارير > المحاكمات والفساد

المحاكمات والفساد

بعيدا عن مشهد أو مشاهد محاكمة الرئيس الاخواني المعزول محمد مرسي، وما حدث أثناء المحاكمة من وقائع وأشياء وتصرفات مضحكة وأحيانا مبكية، وما وقع في ذلك اليوم المشهود من عنف، كان متوقعاً في أماكن متفرقة من الوطن، ولكن الذي لم يكن متوقعا هو ضرب أو لطم المرأة المعارضة لمرسي ونظامه على وجهها أمام ساحة المحكمة، لم يسأل أحد نفسه أين هذا من الشرعية. بعيدا عن كل ذلك، إلا أنه كان عنفا أقل من المتوقع إجمالا، وهذا من بشائر التصحيح، وهو أيضا من علامات الفهم الذي أرجو أن يستمر مستقبلا، في ضوء مراعاة القانون والنظام، حتى يتجنب مناصرو المعزول، الاسهام في إحداث تحديات لا لزوم لها ولا مستقبل، وتضر بهم شعبيا.
وبعيدا عن رفض الاستشكال القانوني الذي تقدم به الاخوان المسلمون، على الحكم القضائي بحظر الجماعة ومصادرة ممتلكاتها، بعد أن كانت في الحكم لمدة سنة وثلاثة أيام فقط، ثم وقع عزل مرسي بعدها، وتلا ذلك الحظر الشامل الذي لحق حتى الجمعية الجديدة التي أسسها الاخوان في2013، وحصلوا على الترخيص اللازم لها في 24 أو 48 ساعة، على عكس قوانين وتوجهات ولوائح عمل النظام القائم آنئذ في هذا الخصوص، وقد نبهت الى خطورة ذلك في حينه، لأنه تمييز من جانب أجهزة الدولة، ولأنه فساد، ولأنه مجاملة ليست في محلها، ولا يليق كل ذلك بالاسلاميين الذين عانوا من هذه الأوضاع قبل ذلك، ‘والله لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها’ هكذا هو الاسلام، أو ليس هناك، كما يقول المصريون، ‘خيار وفقوس′.
وبعيدا عن اقتراحات الدكتور حسن نافعة بتكوين لجنة حكماء (حُسن نية) لحل أزمة الدولة والاخوان، وبعيدا عن أزمة باسم يوسف، وإيقاف برنامجه ‘البرنامج’، بعدما دخل الى المناطق الشائكة التي اقتحمها كثيرا أيام المعزول واستدعته النيابه آئنذ للتحقيق، وتثير تلك الأزمة بلبلة حتى يعلم الناس حقيقة الأمر.
وبعيدا عن استمرار مسلسل القتل والدمار في سيناء، وإلقاء عبوات ناسفة على سيارات شرطة حتى في غير سيناء، وبعيدا عن اعادة تقييم العلاقات مع تركيا، بسبب تصريحات أردوغان والتدخل التركي في الشؤون المصرية، كنت أتمنى أن يقدم الاخوان المسلمون نموذجا رشيدا في الحكم للشعب المصري وللعرب وللعالم، حتى يكونوا أساتذة فعلا لهذا للعالم، كما كان يطمح الامام حسن البنا رحمه الله تعالى، ولكنهم فشلوا في ذلك، ولم يقدموا علامات واضحة أو إمارات بارزة للحكم الرشيد، ثم كانت الكارثة التي يعيشها الاخوان، ويعاني منها الوطن في بعض أهم المؤسسات، ومنها التعليمية، خصوصا الجامعات، نتيجة المظاهرات وما يصاحبها من عنف، سواء أكان مصدره الاخوان أو التحالف من أجل الشرعية، أو كان العنف المصاحب للمظاهرات من غير الاخوان، وسيتحمل نتيجته الاخوان للأسف الشديد، وسيهرب غيرهم من المسؤولية.
وبعيدا عن كل ذلك، فقد عادت أزمة البوتاجاز الى الظهور، مما تسبب في محاصرة مبنى محافظة المنوفية يوم الاربعاء الماضي 6/11/2013، وحدثت بعض الاشتباكات بالاسلحة البيضاء والعصي وقطعت الطرق، حيث ارتفع سعر الاسطوانة في السوق السوداء الى خمسين جنيها، وهو مبلغ كبير جدا بالنسبة للفقراء والفلاحين والعمال، وطبعا للعاطلين عن العمل بشكل أخص.
عادت الأزمة الى الظهور مرة أخرى ونحن على أبواب فصل الشتاء، مع استمرار بعض الأزمات والتحديات القديمة، التي ظلت كما هي. لم تتحسن العشوائيات، ولم يتناقص عدد الذين يأكلون من الزبالة، ولا الذين يعيشون في المقابر، ولا حتى عدد الراغبين في الزواج. لم تقتصر أزمة اسطوانات البوتاجاز على المنوفية فقط، ولكنها امتدت لتشمل الشرقية والمنيا وكفر الشيخ وغيرها من المناطق. وبعيدا عن عمل لجنة الخمسين للتعديلات الدستورية، التي من المتوقع أن تنهي عملها في آخر الستين يوم عمل الممنوحة لها، لكي تستكمل عملها، وهو يوم 3 كانون الاول/ديسمبر القادم، ولذلك كان من المستغرب أن يتقدم أحدهم أو بعضهم لإبطال عمل اللجنة بحجة أنها تجاوزت الشهرين. وهناك فرق كبير بين 60 يوم عمل، وبين شهرين، تشمل الاجازات الاسبوعية والعطلات الرسمية. لقد عملت اللجنة في بعض أيام الاجازات والعطلات لكي تنجز المهام المناطة بها، تخوفا من بعض الاوضاع المباغتة، ورغبة في الانجاز وضرب النموذج الحسن.
وبعيدا عما يحدث داخل أروقة لجنة الخمسين، وحملة التشويه المغرضة ضد رئيس اللجنة، وهيئة المكتب وبعض المقررين وأعضاء اللجان الفرعية، وبعيدا عن إصرار بعض الاعضاء على صياغة معينة بكلمات محددة، رغم مخالفة الغالبية، ومهما أثارت من تحديات ومشكلات، وبعيدا عن مناقشة موضوع مجلس الشورى، وما إذا كان من المناسب بقاؤه أو إلغاؤه، حيث برزت في الأفق توجهات شتى في هذا الصدد، وانتهت مناقشتها بإلغاء مجلس الشورى.
كان التوجه الأول: في المناقشات يرى إلغاء المجلس، بسبب فساده في السابق وضعف الأداء، وسوء اختيار أو تعيين الاعضاء، وهامشية المهام والوظائف التي كلف بها بالمجلس كوجهاء أو أعيان، فضلا عن التكاليف الكبيرة التي يمكن إنفاقها في مجالات أخرى مهمة، وقد رأت لجنة الخبراء العشرة ذلك أيضا.
أما التوجه الثاني: فيرى أن الفساد أو المشكلة ليست في المجلس ولا في بقائه أو إلغائه، ولكن المشكلة – في ظني – تنتهي، إذا تم اختيار أو تعيين الاعضاء الصالحين للعمل في هذا المجلس، مهما كانت تسميته، مجلس الشورى أو مجلس الشيوخ، أو غير ذلك من أسماء، فالعبرة لم تكن يوما ما ولن تكون في المستقبل، بالأسماء، حتى لو بقي مجلس الشورى بعد ثورتين كبيرتين، كان لا بد أن يكون مختلفا.
وبعيدا عن الهجرة غير الشرعية ومشكلاتها وأحزانها، سواء أكانت بحراً أو براً، وسواء أكانت الى إيطاليا عبر المتوسط، أو الى ليبيا عبر الحدود الصحراوية. بعيدا عن كل ذلك استطاعت لجنة الخمسين، بفضل الله تعالى وتوفيقه، أن تنجز حتى يوم كتابه هذا المقال في 7/11/2013 أكثر من سبعين مادة، كتابةً ومناقشةً وصياغة وتوافقا أو تصويتا في المرحلة شبه النهائية. وقد استفادت لجنة الخمسين من الدساتير السابقة، ومن التعديلات والمقترحات التي قدمتها لجنة الخبراء (العشرة) استفادة كبيرة.
لست أدري متى نجد في مصر حكومة قوية، تدير البلد بحكمة وقوة وحزم، وتستطيع أن تجد حلولا جذرية للمشكلات التي يواجهها المواطن كل يوم، سواء في طريقه الى العمل أو في طريق عودته. فشلت الحكومات السابقة منذ ثورة 25 يناير 2011 وحتى اليوم، وظن الجميع أن الأزمات ستنتهي مع اختيار حكومة جديدة بعد عزل الرئيس مرسي، ولكن ذلك لم يحدث على الوجه الكامل، فلا تزال التحديات كثيرة، بل إنها تزداد حدة وخطورة.
هناك أمارات تحسن قليلة، وجدت إحداهما في طريق القاهرة الاسماعيلية الصحراوي، الذي يشجع على السفر فيه بعد أن استطاعت القوات المسلحة أن تعيد إصلاحه ليسع سيارات اكثر، وأصبح السير فيه ممتعا في السفر، خصوصا في الجزء الذي تم إصلاحه، مما يذكرنا بالطرق السريعة في أوروبا وأمريكا. وتساءلت عندما شاهدت ذلك، إذا كنا نستطيع وهذا النموذج واضح، فلماذا لا نواصل التقدم والتحسن في جميع المجالات؟ وهنا يصطدم المسؤولون بالقدرة على الانفاق وضعف المخصصات، ولا أدري إذا كان هذا هو السبب الحقيقي، أم أن هناك أسبابا أخرى تتعلق بالرغبة أو القدرة على الاجادة والتفوق أو الاحساس بالمواطن المطحون؟

القدس العربي


Navigate through the articles
Previous article لعبة القط والفأر بين الحكومة والجماعة الإعلام المصري في بحر هائج Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع