المقالات و التقارير > ليبيا والخطيئة السياسية الكبرى

ليبيا والخطيئة السياسية الكبرى

أصاب رئيس الوزراء الليبي في اعتباره الأحداث الأخيرة في العاصمة طرابلس حاسمة في تاريخ ليبيا وفي نجاح الثورة.
لا ينكر أحد على الليبيين نضالهم ضد استبداد معمر القذافي، كما لا ينكر أن بعض المدن كمصراتة وبنغازي دفعت أثماناً باهظة لمعارضتها الطويلة للدكتاتور الراحل من دماء ابنائها ومن الاستهانة والتحقير والتجاهل لها على مدى عقود طويلة.
لكن لا ينكر عاقل أيضاً ان الاستبداد عامّ وشامل ولا يوفّر أحداً، لا مدينة ولا قبيلة ولا حزباً سياسيا من بطشه وقمعه، وأن استقواءه بجهة او قبيلة او اتجاه لا يقصد منه سوى التفريق بين أبناء الوطن الواحد ومنع وحدتهم.
ورغم ان طرابلس كانت تحت الوطأة الكبيرة لقوات الدكتاتور فقد تحدّته بالتظاهرات وثارت عليه مناطق عديدة، منها وقد تحمّلت الكثير من القسوة والبطش مثلها مثل غيرها من مدن ليبيا وجهاتها القصية والقريبة.
خاضت الميليشيات التي تشكلت دفاعاً عن الثورة نضالاً بطولياً ضد النظام القديم ولولا الدعم السياسي والعسكري الذي حصلت عليه من رأسماليين وطنيين ليبيين، ثم من الشرعية الدولية لكانت خسائر هذه الميليشيات والليبيين أكبر بكثير.
يحقّ لهذه الميليشيات ان تفخر بدورها الذي صنعته في نجاح الثورة الليبية، وكذلك في التأكد من تثبيت شرعية ثورية جديدة، وهو أمر حصل في كل ثورات المعمورة، لكن الاشكالية الكبرى ان هذه الميليشيات التي توحّدت تحت علم واحد أثناء الثورة عادت بعد الثورة الى مخاوفها ومصالحها الجهوية والقبلية القديمة.
بين الحفاظ على مكتسبات الثورة وبين القتال من أجل مصالح جهوية او قبلية او تأويلات سياسية ضيقة فرق كبير، وفي هذا الفاصل الذي يفصل بين هذين الاتجاهين يكمن صمود الثورة او انفلاتها نحو معارك فردية وشخصية تدافع عن دكاكين وزوايا لا عن بلد وشعب.
توجيه السلاح ضد متظاهرين مدنيين لا يمكن القبول به من جيش البلد او شرطته، وهو ايذان بسقوط شرعية أية سلطة وطنية وثورية كانت أم فاسدة وتابعة، أما ارتكابه على يد ميليشيا عسكرية ينتمي افرادها الى مدينة أخرى غير طرابلس ضد أهل المدينة نفسها فاجرام وخطيئة سياسية عظمى لا يمكن ان تغتفر وهي تدفع ليبيا والليبيين نحو خيارات قصوى.
دعوة كبار مسؤولي مدينة طرابلس امس لتنظيم احتجاجات في الشوارع واغلاق المحال التجارية والمدارس والجامعات للضغط على الحكومة كي تطرد رجال الميليشيات المسؤولين عن قتل 45 شخصا على الأقل هي لجوء للعقل والعمل السلمي والمدني لايقاف ظاهرة أمنية خطيرة يجب أن تتوقف.
إخراج الحكومة الليبية للميليشيات الليبية التي دخلت طرابلس بعد الثورة سيكون مهمتها الكبرى لتثبت لليبيين أنها قادرة على الحفاظ على أمنهم وارواحهم وقادرة على فرض القانون والنظام اللذين هما عماد أية سلطة.
لن يكون تنفيذ المهمة سهلاً لكن بناء ليبيا يحتاج لقرارات كبيرة، ويحتاج لحنكة ودبلوماسية كبيرتين، كما يحتاج الى حزم وارادة صارمة.
أثبت الشعب والنخبة الليبيان قدرة على استيعاب تحولات العصر ولكن الاشكالات السياسية والعسكرية الكبيرة ما تزال تقف عقبة امام الخروج من الإرث الدكتاتوري البغيض والدخول في عصر المدنية والديمقراطية.

القدس العربي


Navigate through the articles
Previous article محافظ القاهرة فى الإسعاف تنوع الجرائم في الشارع المصري Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع