الحقائق المغيّبة:
في الصومال هناك الكثير من الحقائق والمعلومات المحجوبة الممنوعة من الصرف بسبب
صعوبة الوصول إليها والخوف من ملاحقة جهات معروفة وأخرى مجهولة، وكل من يجرؤ على
تخطي الخطوط الحمراء غير المرئية يبدأ أقرب الناس إليه قبل غيرهم يتحدثون عن مصيره
المحتوم، وكيف أن أجله يقترب بمقدار دنوه إلى المحظورات الممنوعة من النشر
(1)
أعرف صحفيا بدأ يتناول – في برنامج إذاعي محلى متواضع – موضوعا عن الفساد الإداري
في الهيئات الخيرية العربية والإسلامية والمؤسسات الدولية الأخرى في الصومال، وكيف
يتم استغلال أموال المحسنين المتبرعين في بناء عقارات خاصة ومشاريع شخصية أخرى؛ وما
أن أذيعت الحلقة الأولى والثانية والثالثة حتى خفت الحدة والحماسة بفعل فاعل مجهول
يستخدم السلاح الأبيض والأحمر لإسكات كل صوت يصدح بالحقائق المدعومة بالأرقام.
(2)
وفي بعض الأحيان يتعرض الإعلام الخارجي الموجه الناطق باللغة الصومالية -رغم
سياساته المشبوهة- لبعض الملفات الداخلية الساخنة؛ ولكنه يضطر إلى رصد مبالغ باهظة
لإنجاز تحقيق صحفي جاد، ومع ذلك نرى أن أغلب المصادر تفضل عدم ذكر اسمها أو إظهار
وجهها لسبب أو لآخر، والعامل الآخر هو أن الصحفيين الذين يقومون بهذه المهمة من
المغتربين الميسورين ماديا؛ ممن لا يمكن شراء ذممهم بالإغراء المادي من قبل
السماسرة وحراس الفساد في الصومال.
(3)
وعندما يتعلق الأمر بحركة الشباب المعارضة المرتبطة بتنظيم القاعدة فإن الأمر يكون
أشد خطورة؛ حيث يخوض الناس أحاديث غريبة بشأن العقوبات التي تنتظر من يتجرأ على
الحديث عن ملفاتهم، ومن ذلك قطع اللسان والحكم بالردة والقتل بدم بارد، وما إلى
ذلك، ويُعتقد أن تعامل الحركة العنيف مع الإعلام والصحفيين جعل عملية إجراء تحقيقات
حقيقية حول حركة الشباب ضربا من الخيال، ويكفينا مثالا كيف أن الإعلام المحلي
والدولى فشل في الحصول على صورة حقيقية واحدة عن أمير حركة الشباب، وهي لقطة واحدة
تدر الملايين، ولكن كيف الوصول إليها؟ بالطبع فإن تكوين الحركة السري ونظامها
المحكم من العوامل التي ساعدتها على هذا المستوى من التكتم الإعلامي الناجح.
(4)
ونظرا لهامش الحرية المتاح على المستوى الحكومي يُلاحظ أن الأقلام أكثر جرأة عند
نقدها الممارسات الحكومية، في حين يُلاحظ تحفظات كثيرة أثناء الحديث عن حركة الشباب
المعارضة، وبالتالي يكثر الناشرون بأسماء مستعارة، وحتى الكتاب الذين يعيشون في
الخارج يتسترون خوفا من الإضرار بذويهم الأبرياء في الداخل، وهناك استثناءات في هذا
المجال.
(5)
هذه الأجواء الخانقة يدركها أكثر مندوبو القنوات الفضائية العالمية الذين يعانون من
صعوبة الحصول على مصادر حية تعبر عن الواقع الحقيقي دون خوف من أحد، ولذلك نرى أن
أغلب الذين يتم استضافتهم في الفضائيات دون المستوى المطلوب من حيث الجرأة والأداء
العام بالمقارنة مع مستوى الكوادر المؤهلة الساكتة بسبب الظروف الأمنية القائمة في
البلد.
(6)
عندما يضيق فضاء الحرية ويصعب توسيع هامش الحرية تكثر – بطبيعة الحال- عملية فبركة
الحقائق تعويضا عن المعلومات المغيبة؛ وبالتالي تضيع المصداقية فيما تخطه أيدينا من
كلمات، وما ننشره من صور ودراسات، وكما يستطيع القتلة والمجرمون وضع بصمة تنظيم
القاعدة على أفعالهم الإجرامية يستطيع أصحاب الأقلام المأجورة خلط الحقائق
بالأكاذيب وتصويرها كأنها حقائق لا يمكن نكرانها. وبناء على ذلك تشتد الحاجة إلى
توحيد الصفوف لتوسيع المتنفس العام بهدف الاقتراب إلى محيط المعلومات المغيبة؛ وذلك
في إطار الجهود الرامية إلى توصيل العالم الصورة الحقيقية عن بلدنا الحبيب.
الشاهد
Navigate through the articles | |
يا حكومة! ارفعى إيديك عن جامعة المنصورة | انتشار شعار ‘رابعة’ ومحاولة تجريمه |
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع
|