المقالات و التقارير > المصرى المجرد.. المصرى الملاك!

المصرى المجرد.. المصرى الملاك!



فى صالة الوصول بمطار القاهرة كان عدد الذين يحملون أجهزة اللاسلكى يفوق عدد المسافرين، وعلى الرغم من أن الصالة خالية فقد تم فتح سير واحد لحقائب طائرتين وصلتا فى توقيت واحد من روما والقصيم، ولم تظهر أول حقيبة إلا بعد هبوط الطائرتين بنصف ساعة!

الغريب أن أجهزة اللاسلكى تبدو حلية فى أيدى موظفين كسالى ينتمون لجهات مختلفة، لكنها إن لم توح بالتوتر الأمنى فهى تضمن إضفاء المظهر البوليسى للدولة، مع ذلك ليس اللاسلكى، وليست رقاعة الأداء فى شحن وتفريغ الطائرات هى كل ما يؤذى المواطن والسائح الذى نسأله المجىء، بل المنظومة كلها: كارت القدوم غير الضرورى مع الجوازات الحديثة، لافتات تبحث عن مسافرين محظوظين على مهبط الطائرة أو قبل العبور من الجوازات، عسكرى يسد طريق المسافرين بعد عبورهم من ضابط الجوازات للتفتيش على ختم الدخول، وانتهاء بتوسلات سائقى التاكسى وتسول عمال النظافة.

المطار هو المصافحة الأولى للعين الغريبة، لكنه كذلك يلخص حالة الرقاعة الإدارية التى نراها فى إدارة تأمينات مثلما نراها فى بنك غير حكومى، ونراها فى مستشفيات الدولة، وفى المستشفيات الخاصة.

قمنا بثورتين لم تحققا شيئًا على الأرض، لكن الحق يقال إن الأطراف القوية نالت حقها من الذم والتوبيخ، بينما لم نقترب ونقول الحق فى وجه الموظف والعامل، الذى نراه مظلومًا دائمًا ونقيًا أبداً. وهذا هو الجانب اللئيم من الفاشية الذى لم نسقطه.

تقوم الفاشية على عبادة الحاكم، لكنها لا تفعل ذلك إلا عبر تمجيد الشعب، على سبيل تبادل الرشوة من جهة، وعلى سبيل رفع قدر الديكتاتور من جهة أخرى، فالحاكم عظيم لأنه سليل شعب عظيم. وعندما كفرنا بالحاكم سقطت عبادته دون أن يسقط الشعب المجيد، لأن الأغانى التى مجّدت الشعب أقوى وأجمل من تلك التى مجّدت الحاكم، لسوء الحظ!

اعتزازنا المبالغ فيه بأنفسنا كشعب يفضح فاشيتنا. نستنكر موتنا بقول: «الدم المصرى حرام»، وفى ظروف منطقة يجرى فيها الدم أكثر مما تجرى المياه تبدو المقولة عنصرية قليلاً. من المفترض أن كل الدم الإنسانى حرام، لكننا نقصر التحريم على الدم المصرى. وليتنا كنا صادقين، فنحن نصنع ما تصنعه الفاشية، نمجد المواطن ونقدس دمه فى القول فقط، لكننا لا نتورع عمليًا عن سفكه.

فى كل مناسبة يسيل الدم المصرى، وبالفاشية نفسها التى ترى المصرى الملاك، نصف كل القتلى بالشهداء، دون أن نستحى ونفكر بأن عدالة الله تجعل استقبال كل قتلانا فى الجنة مستحيلاً. ألا يُفترض أن أحد الطرفين على صواب والآخر على خطأ؟! الغريب أن التراث الإسلامى لا يتحدث عن شهادة الصحابة والخلفاء، بل يتحدث عن مقتل عمر، ومقتل عثمان.

القتل واقعة مادية يمكن الحكم عليها، ولم تكن الأغانى الوطنية المصرية قد اخترعت بعد على أيام الخلفاء الراشدين لتجعلهم يقفزون على الواقعة المادية إلى ربط القتيل بغيب الجنة والنار، لكننا نفعل ذلك ونضع كل قتلى ثورتينا فى النار: الثوار العلمانيون والجنود والضباط المعتدون والمعتدى عليهم، سارقو الدين والدنيا، والبلطجية المعاونون لكل الأطراف!

ليست هذه الإطالة استخسارًا للقب يريح قلوب من فقدوا عزيزًا فى معركة نبيلة أو خسيسة، لكن ما يعنينى هنا هو تعرية الفاشية التى تقودنا إلى تمجيد أنفسنا طول الوقت، وهذا لن يصل بنا إلى أى بر أمان.

المصري اليوم
 


Navigate through the articles
Previous article دعوة خاصة لعائلة داداه مع عائلتي مانديلا وعبد الناصر افتتاح قسم الجرائم الدولية الكينية في منتصف العام 2014 Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع