لم يعد خبرا جديدا أن نتوقع الفوز الساحق
للسيسي في انتخابات الرئاسة الوشيكة.
صحيح، أن الرجل الكبير لم يعلن ترشحه رسميا حتى لحظة كتابة السطور، وصحيح أن ضغوطا
هائلة لاتزال دائرة لمنع ترشحه، بعضها في الكواليس، والأخرى على السطح، لكن الرجل ـ
بإذن الله تعالى ـ سوف يخذل المرجفين، ويستجيب لإرادة الشعب المصري الغلابة، التي
عبرت عن نفسها في الاستفتاء على الدستور الجديد، الذي شهد أكبر إقبال طوعي من
المصريين في أي استفتاء جرى منذ ثورة 25 يناير 2011، وجاءت نتائجه بنعم ساطعة ساحقة
لصالح الدستور، وبتزكية ضمنية ظاهرة من عشرين مليون مصري لترشح السيسي، بينما لا
يطلب الدستور سوى تزكية خمسة وعشرين ألفا لا غير.
وليس سرا أن الإدارة الأمريكية بذلت كل ما في وسعها من ضغوط للحيلولة دون ترشح
السيسي، ولا هو سر أن توابع إقليمية تجاوبت على طريقتها مع ضغط واشنطن، وحاولت
الدفع ببدلاء من نوع أحمد شفيق أو سامي عنان، وفي ثياب نصح للنظام المصري الحالي
باستبقاء المشير السيسي وزيرا للدفاع، بل ولم يكن الرجل نفسه راغبا في الترشح، ولا
ساعيا إلى سلطة فوق ما أتاه الله من محبة الناس، واستخار الله تعالى، واستشار رفاقه
في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، لا لكي يفوضوه كما تنطع البعض في فهم بيان الجيش،
بل لكي يتركوا له اختياره وقراره، يتخذه بالضمير الصافي، وفي علاقة مباشرة مع نبض
المصريين، الذين يريدونه بغالبيتهم العظمى رئيسا منتخبا، ولا يتصورون لأنفسهم رئيسا
غيره في لحظة الخطر.
وربما لا يكون السيسي في حاجة انتخابية إلى دعم قوى سياسية، ولا شخصيات عامة، ولا
نخب، فقد نمت وتطورت علاقة تجاوب مباشرة بينه وبين القواعد الواسعة للشعب المصري،
وبوسعه الفوز الساحق في انتخابات تجرى طبقا لأرقى المعايير الدولية، وبضمانات تكفل
حق المنافسين في حملاتهم ودعاياتهم، ومن دون تضييق على حريات التحرك أو فرص
الإعلام، بل ان توفير الضمانات كلها ينتهي لصالح السيسي بالذات، فلسنا بصدد استفتاء
على رجل، بل بصدد انتخابات تعددية تصوغ فيها مصر اختيارها، ومن حق الناس أن تعرض
عليهم الاختيارات كلها، ومن دون ترهيب أو تخويف لم تعد له من قيمة، فلـــم يعد
المصريون يخشون أحدا غير الله، والخوف نفسه هو الذي يخاف من المصريين الآن، بل ان
بطولة السيسي نفسها جاءت في سياق من تحدي الخوف، وفــــي امتزاج مع إرادة شعب
عظــــيم يحـــترف صناعة الثورات، فالشعب الذي أطاح برئيسين في مدى ثلاثين شهرا لا
خوف عليه، فهو لا يريد فرعونا يعبد من دون الله، بل يريد قائدا يختاره ويحبه ويعمل
معه في طريق الخروج من حالة الانحطاط التاريخي المتصلة لأربعين سنة مضت، وقد وضع
ثقته الغالبة في اسم السيسي، وضع ثقته كوديعة في صناديق انتخابات حرة يتأهب للذهاب
إليها، وبوسع صاحب الوديعة أن يستردها حين يشاء، فالشعب هو السيد قبل وبعد وفوق
سيادة الرئيس.
وما من خطر في أي انتقاد يوجه للسيسي حين يصير رئيسا، وما من خطر حتى في النقد
المغالى فيه، فقد صارت الدنيا غير الدنيا، ولم يعد بوسع أحد أن يمنع رأيا أو يحجب
صوتا، حتى لو أراد، وما من أحد فوق النقد في مجتمع ديمقراطي، أو في بلد يتطلع
لإقامة نظام ديمقراطي بعد ثورتين، ولم يكن السيسي أبدا فوق النقد ولا حتى النقض، بل
كان عرضة لشتائم واتهامات وسخافات من كل نوع، وفي إعلام دولي وإقليمي ممتد مصريا،
وفي الشارع وعلى الجدران، أو على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن الملاحظة التي تلفت
النظر، هي أن الاراء ضد السيسي زادت من رسوخ شعبيته، ربما لأن أغلبها جاء من جماعة
الإخوان التي تعاني من عزلة شعبية غير مسبوقة، أو من جماعات ‘المارينز′ المرتبطة
بأهواء واشنطن، وربما لأن الشعب المصري له حاسته التي لا تخطئ، فوجدان المصريين
الجامع يرى في الرجل ضالته المنشودة، والتفسير يبدو مقروءا، فالدين والجيش والعدل
ثلاث عقائد تحكم المزاج المصري، وفي شخصية الرجل مزيج من هذه العقائد كلها، فوق
موهبته الفطرية القيادية، من دون تكلف ولا تعجرف، وبما جعل سواد المصريين الأعظم
يأمل الخير فيه، ويحس فيه بإيحاء جمال عبد الناصر، وهو ما يفزع الأمريكان والإخوان،
ويشد وجدان المصريين بغالبيتهم إلى شخص السيسي.
ولا خطر على السيسي من أعدائه أو خصومه الظاهرين، فعناية الله تحفظ وتحرس، وإرادة
الشعب المصري لا يغلبها غلاب، لا خطر من كلاب تنهش أو ذئاب تعوى، لكن الخطر كله ـ
فيما نظن ـ من أفاع تلتف، ترتدي ثياب الأصدقاء في حفلة أقنعة تنكرية، وتتظاهر
بتأييد السيسي، وتزايد في مواكب النفاق، وإطلاق البخور، وتملأ الجدران والشوارع
والجسور بلافتات تزور صورة الرجل، وتسعى إلى حصاره بمحبة زائفة، وتريد المصادرة
المبكرة على فرصة السيسي، وعلى إيحاء عبد الناصر بالذات في شخصية السيسي، وهؤلاء
معروفون بالاسم والرسم، بعضهم من مواليد الحارات المظلمة بين السياسة والأجهزة
الفاسدة، وأغلبهم من المنافقين المحترفين للمخلوع مبارك وولده جمال، ومن وراء ستار
تديرهم مصالح المليارديرات الكبار، الذين كسبوا ثرواتهم الحرام زمن النهب العام،
وأنشأوا الفضائيات، وسيطروا على أغلب وسائل الإعلام، ومولوا حملات مسمومة تتظاهر
بدعم السيسي، على أمل الحفاظ على مصالحهم وامتيازاتهم في ظل حكمه المنتظر، وتقديم
أنفسهم كظهير سياسي واقتصادي وإعلامي لرجل لا يريدهم ولا يحتاجهم، ولم يأخذ لنفسه
شبر أرض في عصر الفساد المعمم، بينما شفطوا هم ثروة البلد واستباحوا أرضه، وعملوا
خدما لمبارك وعائلته، وانتقلوا بسلاسة من نفاق مبارك إلى نفاق الإخوان، وبهدف
الحيلولة دون مصادرة الأموال المنهوبة، أو إقامة محاكمات جادة عاجلة تسترد أملاك
الشعب، أو حتى الاقتصاص لبعض حق المجتمع بفرض نظام الضرائب التصاعدية، وهؤلاء هم
الخطر الأعظم على اسم السيسي، فهم يزيفون اسمه ورسمه، ويريدون تحويل الرجل إلى
‘مبارك معدل’، يريدون ‘تفليل’ السيسي لو صح التعبير، فهم في حالة ثأرية مع الشعب
المصري ومع ثورته، ويلتفون كالأفاعي على رقبة الثورة، ويلبسون لبوسها، ويهتفون
باسمها أحيانا، وعلى أمل العودة بالبلد إلى خطوط 24 يناير/كانون الثاني 2011، وهو
ما دفع السيسي إلى التصريح بأنه لا عودة إلى ما كان، وربما لا تكفي هذه الإشارة
المنسوبة للرجل في أحد اجتماعات مجلس الوزراء، بل لا بد ـ في ما نظن ـ من بيان قاطع
للسيسي في برنامج الرئاسة المنتظر، وفي طريقة اختياره لفريقه الرئاسي، وفي طريقة
عمل حملته الانتخابية، لابد ـ في ما نرجو ـ من بيان قاطع، يؤكد القطيعة التامة مع
نظامي المخلوع والمعزول، ويؤكد الانحياز المطلق لثورة 25 يناير وموجتها الأعظم في
30 يونيو/حزيران، لابد من طرد الوجوه الكريهة كلها، التي تشوه صورة السيسي عن سبق
الإصرار والترصد، وتدعي تعاطفا كذوبا مع الرجل، بينما هي تغتاله معنويا، وتغلق
الطرق الواصلة بينه وبين جمهور الثورة، وتسعى لإعدام أمل الشعب المصري في الانتصار
لثورته العظمى.
القدس العربي
Navigate through the articles | |
“الماجيري”.. نظام تعليم إسلامي قديم تحول إلى “لعنة” في شمال نيجيريا | الرئيس ام قائد المخابرات: من سينتصر في الجزائر؟ |
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع
|