يبدو أن شهري آذار/مارس ونيسان/أبريل من
هذه السنة سيكونان بمثابة المنعطف في المسار السياسي الجزائري.
هذا البلد الذي يعيش حراكا سياسيا وأمنيا حثيثين يبعثان على التفاؤل حينا وعلى
القلق حينا آخر. فبين عدم اتضاح الرؤية حكم الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في
ولاية رابعة، وبين رغبة بعض الوجوه السياسية الجزائرية في القطع مع عهد النظام
البوتفليقي وطرح وجوه جديدة ونفس سياسي آخر في البلاد، يتأرجح المشهد السياسي اليوم
في بلد المليون شهيد. وفيما نرى مشاهد عربية متنوعة أقل شأنا تتعاطى معها
التلفزيونات العربية، خاصة الفضائية منها، يبدو الشأن الجزائري غائبا عن هذا
التناول، إلا من زاوية الخبر، وهذا ما يطرح العديد من التساؤلات حول هذا الغياب
والتجاهل، سواء كان متعمدان أو غير ذلك.
‘فرانس 24′ و’حديث العواصم’
هذا الملف كان محور برنامج ‘حديث العواصم’ على قناة ‘فرانس 24′ سهرة الأحد، والذي
حاول تسليط الضوء على إمكانيات تغيير النظام السياسي في الجزائر. وقد انطلق مقدم
البرنامج من تسريب معلومات عن المخابرات الجزائرية صدرت عن الأمين العام لحزب جبهة
التحرير عمار سعيداني.
تفضح هذا المعلومات جملة من ملفات المخابرات الجزائرية في خطوة اعتبرها الكثير أنها
خطة مدبرة لحمل بوتفليقة على عدم الترشح لولاية رابعة. وحاول المقدم تطويع الحوار
في اتجاه كون النظام السياسي قد استنفد صلاحياته وأنه آن الأوان ليترك المجال لحقبة
سياسية جديدة تطل على البلاد برؤية مغايرة.
وقد أثرى الحوار كل من رئيس الحزب الجزائري المعارض ‘جيل جديد’ سفيان جيلاني
واللواء السابق عبد العزيز مجاهد، والمحلل السياسي ناصر ناجي، وهنا كان الخلل الذي
وقع فيه البرنامج عن قصد أو دون ذلك.
فعلى الرغم من أهمية الموضوع المطروح وآنيته، إلا انه ومنذ الدقائق الأولى يسترعي
اهتمامك أن البرنامج يتجه في سياق واحد، وأن عنصر التنوع بالنسبة لمداخلات الضيوف
يكاد يكون غائبا تماما. إذ اتفق ثلاثي الحوار حول مسألة تدخل المخابرات الجزائرية
في الإعلام والسياسة وتغييب النخبة عن المشهد السياسي اليوم، كما أكدوا على ضرورة
دخول الشعب صلب المعادلة السياسية.
في حين بقيت النقطة الأهم ونعني مدى إمكانية بوتفليقة لادارة ولاية رابعة، سؤال
مطروح تحوم حوله تخمينات الضيوف المتقاربة. وهنا مكمن الخلل إذ أغفل البرنامج حضور
طرف من الحكومة الجزائرية يتحدث بلسان الرئيس ويكسر المسار السلبي، الذي مضى عليه
البرنامج، ويحد من التخمينات التي بقيت تخامر ذهن المتفرج لا سيما المواطن الجزائري
الذي يعيش على وقع وضع مربك هذه الفترة.
ويشرح بوضوح نوايا الحزب الحاكم في هذه المرحلة الدقيقة التي تعيش على وقعها البلاد
داخليا وإقليميا. خاصة وان بقية الأحزاب لا سيما المعارضة منها تستعد لخوض غمار
المعركة السياسية بشراسة أكبر بعد أن استحوذ بوتفليقة على الحكم لحقبة طويلة.
زد على ذلك أن حضور شخصيات بانتماءات مختلفة تساعد على توسيع دائرة النقاش أكثر
وتفتح المجال لتطارح مسائل غالبا ما تكون غير منتظرة. ولهذا بدت حلقة الأحد الفارط
من ‘حديث العواصم’ منقوصة وتوحي بأن مقدم البرنامج يحمل ذات الأفكار التي تطارحها
الضيوف.
أيضا تطارح الحاضرون بعض الأفكار التي بدت جريئة وهامة بالنسبة لهذه الظرفية وهذا
التوقيت ولكنها كانت كذلك منقوصة دون أن ينتبه المقدم لذلك. إذ ذكر المحلل السياسي
ناصر جلالي أن الجزائريين أمام فرصة تاريخية لتغيير وتطوير نظامهم السياسي، مستدركا
أن فشلهم في استغلالها أو في حال تقديم بوتفليقة ترشحه للرئاسة فإن ذلك سيكون
منعطفا خطيرا يدخل البلاد في ما لا تحمد عقباه.
وعلى أهميته إلا أنه لم يشرح طبيعة النظام السياسي الذي يرنو إليه الجزائريون، وما
هي الأطراف السياسية الحاضرة على الساحة اليوم والقادرة على المنافسة على الحكم؟
كما لم يوضح طبيعة الخطر الذي قد يلم بالبلاد، فحتى المتابع الجزائري والمطلع على
تفاصيل الوضع الداخلي والحراك السياسي قد يجهل سيناريوهات الخطر، التي قد تحدق
بالجزائر كما جاء في حديثه. ناهيك عن قناة إخبارية عالمية تتوجه بالمعلومة إلى
جماهير واسعة من العالم، وهي مطالبة برفع أي لبس قد يجده أي متابع لأخبارها أو
برامجها.
الجزائر حديث الفضائيات العالمية
إن ‘حديث العواصم’ الذي حط رحاله في الجزائر، هذا البلد الذي يعيش مخاضا سياسيا بدأ
يجد له مساحات في الإعلام العربي العالمي، نجح رغم النقائص السالف ذكرها في فكشف
النقاب عن جملة من النقاط التي لم تكن لتظهر ربما للمشاهدين على فضائيات أخرى.
فإن يجلس الجزائريون الذين يعيشون داخل التراب الجزائري ويعلنون صراحة رغبتهم في
تغيير النظام ويتحدثون بقدر كبير من الجرأة عن عيوب فترة حكم بوتفليقة، فإن هذه لا
يمكن أن تكون إلا خطوة هامة تحسب للقناة ولصاحب البرنامج تحديدا الذي نجح في إظهار
صورة حقيقية مختلفة من رحم المشهد السياسي الجزائري في ثوب العسكري والمحلل
والسياسي.
أقول تحسب للاثنين لأن المتابع للمشهد السياسي والإعلامي الجزائري يدرك أنه ولسنوات
متلاحقة كان الإعلام المحلي يصور بوتفليقة على أنه منقذ الجزائر ومخلصها من سنوات
الموت والتقتيل والإرهاب، التي كادت تعصف بالبلاد.وأنه الشخص الوحيد الذي نجح في
جمع شمل أبناء الوطن ونشر ثقافة التعايش السلمي بين كل الجزائريين.
ولعل أهمية هذه الحلقة من هذا البرنامج أنها جعلتنا نتساءل ما إذا كانت الخطابات،
التي كنا نشاهدها باستمرار في الإعلام الجزائري تدخل في بوتقة الدعاية السياسية،
التي تعودت عليها مختلف الأنظمة العربية لتلميع صورتها ولتقديم صك يشرع استمرارها
على سدة الحكم.
أو أن المواطن الجزائري سئم حقبة بوتفليقة، وبات يبحث عن نظام سياسي جديد،خاصة وأن
الجزائر على مقربة من دول الثورات العربية، وهذا قد يؤثر بشكل أو بآخر على الفكر
السائد. أو أن ما ورد في الحوار ليس إلا محض أفكار تلزم الأطراف الطامحة إلى
المشاركة في الحياة سياسية، التي حرموا منها مرارا.
هي مجموعة أسئلة ولدت من رحم هذا البرنامج وتبقى الإجابة عنها مؤجلة حتى بداية شهر
آذار/مارس. حيث سنشاهد مدى تفاعل المواطن الجزائري مع مسألة ترشح أو عدم ترشح
بوتفليقة للولاية الرابعة وبناء على ذلك ستأتي الإجابة.
رغم أنه وبالعودة إلى الحقبات الفارطة من تاريخ الجزائر فإنه تم تسجيل سيناريوهات
مشابهة من تدخل بعض رجالات الدولة والحديث عن معلومات تفضح ممارسات النظام وخاصة
سنة 2004. زد على ذلك نشأة ما يسمى بصراع الأجنحة آنذاك والتي تضرب فيه أجهزة
الدولة بعضها البعض. وإن كان وضع بوتفليقة الصحي المتراجع يوحي بأن الجزائريين
سيكونون على موعد مع حقبة جديدة في الحكم. فيما يبقى الشغل الشاغل للجزائريين اليوم
هو بلوغ حد معين من الوضوح في الحياة السياسية وتأسيس ديمقراطية تمكنهم من القيام
بانتخابات شفافة.
الثورة في ليبيا لإرهاب الإعلام
يبدو أن الثورة في ليبيا لم تصل بعد إلى مرحلة يفهم فيها المواطنون مفاهيم كحرية
التعبير والاختلاف، وأن الفضاء صار مفتوحا على التقتيل والانتهاك الذي يستهدف خاصة
الإعلام. وأن تأسيس الدولة المدنية ما زال مشروعا يخطو خطوات عرجاء في ظل تحول
ليبيا إلى وكر لتعشيش الإرهاب.
وقد كانت قناة ‘العاصمة’ الليبية ضحية هذه العقلية الإجرامية، حيث كان النقد الذي
توجهت به القناة حول مسألة تمديد تفويض المؤتمر الوطني العام سببا في إقدام بعض
المسلحين على مهاجمة مبنى التلفزة بواسطة قذائف صاروخية وإحداث أضرار مادية جسيمة.
وهذه كانت فاتورة السعي لتأسيس إعلام يؤمن بالتعددية في بلد قام بثورة كليبيا، مما
يجعل هذا الحلم ليس فقط صعبا بل ومحفوفا بالموت.
القدس العربي
Navigate through the articles | |
متى تتطابق الأعمال مع الأقوال؟ | برنامج ماشاكوس الأمني، نموذجا لسائر المقاطعات الكينية |
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع
|