المقالات و التقارير > متى تتطابق الأعمال مع الأقوال؟

متى تتطابق الأعمال مع الأقوال؟

في الوقت الذي يترقب فيه الشعب المصري فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية بعد استكمال قانونها، وكذلك ترقب ما إذا كان المشير السيسي سيترشح للرئاسة، وكثير من أبناء الشعب المصري يطالبونه بذلك، بل هناك حملة من حملات دعم المشير تسمى ‘بأمر الشعب’. في هذا الوقت تكثر التساؤلات عن موقف التيار الاسلامي كله، كحركات ومنظمات وتيار الإسلام السياسي الممثل في الأحزاب الإسلامية، والأحزاب القريبة، مثل حزب الوسط وحزب مصر القوية. هذه المساحة أو الدائرة واسعة جداً، وليست على قلب رجل واحد، وليست على منهج واحد في الاعتقاد والدعوة والتربية والنظرة إلى العمل السياسي أو الوطنية أو القومية أو المشروع الاسلامي، وإلا لفرضت نفسها ورأيها بالأغلبية، كما حدث في أول انتخابات برلمانية ورئاسية بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني.
ينقسم التيار الاسلامي الى حركات وجمعيات وأحزاب سياسية، منها من يشترك في السياسة، ومنها من لا يشترك إلا في الموالد، لأن السياسة في فهمها حرام، منها حركات صوفية متعددة الأطياف ومنها الحركة السلفية أيضا متعددة الأطياف، ومنها الحركات والجماعات التكفيرية وبعضها يكفر الآخر، فضلا عن تكفير الحاكم أو الحكومة أو الجيش أو الشرطة أو المجتمع بأكمله. من هذا التيارالاسلامي من شارك في الثورتين أو شارك في إحداهما فقط، ومنها من لم يشارك في أا منهما على الاطلاق فكان سلبيا، ومنها من كان ضد الثورة ومع مبارك وفساده وديكتاتوريته ومنها من وقف مع الثورتين في مرحلة من المراحل، ولكنه ضد تدخل الجيش في السياسة، وضد كل الاستحقاقات التي تمت مثل الدستور أو المتوقعة قريبا مثل الرئاسية ثم البرلمانية، ومنها من سيكون مع المشير حال ترشحه للرئاسة، باعتباره أبرز المرشحين، وربما أقدرهم على تحقيق بعض مطالب الشعب المهمة، وفي مقدمتها إكمال المعركة ضد الارهاب والانتصار فيها، حيث لم يعد هناك مجال لغير ذلك، وإلا انتشرت الفوضى وربما تصبح مصر مثل سوريا، وللأسف هناك من يتمنى، بل يسعى الى تحقيق ذلك الوضع أو المنظر المخيف في مصر، ومنها أعضاء في ما يسمى، ‘التحالف من أجل الشرعية’.
الذين سيترشحون للانتخابات الرئاسية عكفوا منذ إقرار الدستور، وربما قبله، على إعداد البرنامج الانتخابي، والتصور ـ ربما قبل النهائي ـ للحملات الانتخابية وهيكلتها، تهيئة أو استعدادا لتلقي الأموال اللازمة للحملة. في هذا الوقت الصعب لم ينوي أو يعلن الترشح للرئاسة، سواء أكان عسكريا أم مدنيا إلا عدد قليل، والآمال والطموحات التي تداعب خيال كل منهم، والتحديات التي لابد وأن تقض مضجع الجادين منهم كثيرة جدا، أقول في هذا الوقت العصيب، يجري في مصر تعديل وزاري لم يفاجئ الشعب، بل كان الشعب يطالب به صراحة أو على استحياء منذ مدة طويلة، ثبت فيها أن حكومة الببلاوي لم تختلف كثيرا عن حكومات ما بعد الثورة ومنها حكومة الجنزوري وشرف وقنديل، وكلها كانت حكومات انتقالية. بعضهم إمعانا في التندر والتفكه على سوء الأداء – بالروح المصرية السلمية التي تستطيع أن تعمل من الفسيخ شربات أو تدهن الهوا دوكو، كان يقول، ‘حكومة البلاوي’ بدلاً من حكومة الببلاوي، وهو تعبير لا يليق ولكنه كان في الشارع. لفت نظري ما صرح به ـ كما جاء بوسائل الاعلام ـ من بقي أو سيبقى من وزراء الببلاوي، وعددهم يجاوز العشرة. لأول مرة في الوزارة بعضهم يقول ما يطمحون الى تحقيقه، وبعضهم فرح حيث ستتغير أحواله وأوضاعه، وبعضهم قلق ويخشى من الفشل وتؤرقه التحديات التي تقع في مجال اختصاص وزارته أو حتى تواجه مصر عموما، كمواطن عادي قبل أن يكون وزيرا.
كل الوزراء الذين أدلوا بتصريحات بعد أن علموا ببقائهم في مناصبهم، كانوا يتحدثون عن آمال عريضة في المستقبل، وهذا جميل ومبشر، ولكنه كالحلم يحتاج أن يتحول الى واقع، فعندما يقول الدكتور أبوحديد وزير الزراعة، إن أولوية العمل في وزارته هي السعي لايجاد الحل النهائي لمشكلة الأسمدة في مصر، عملا على حسن توزيعها وضمان عدم تسريبها للسوق السوداء، يفرح بذلك الفلاح الذي يعاني أشد المعاناة من تلك المشكلة، وطبعا الشعب يتمنى أن يرى مشاكله وقد وجدت حلولا نهائية، كما يعد الدكتور أبوحديد في تصريحاته. هل يمكن هذا؟ نعم ذلك من الممكن ولكن يتطلب أيضا تعاونا من الجميع حتى القضاء الناجز العادل في جريمة تسريب الأسمدة وخلق سوق سوداء، لا يرى الشعب من خلالها أي بياض.
وعندما يصرح اللواء عادل لبيب، وزير التنمية المحلية والإدارية، إن التركيز سيكون في السعي لتهيئة فرص عمل جديدة والاهتمام بالمناطق العشوائية، فهذه كلمات أو وعود تبدو قليلة، ولكنها تحتاج الى عمل منظم يمتد جغرافيا ورأسيا وأفقيا، وتهيئة فرص عمل جديدة تقضي على بعض البطالة، ولعلها تكون مقدمة للقضاء على مشكلة البطالة كاملاً. وهذه ليست مشكلة أو تحديا أمام وزارة التنمية المحلية والإدارية فقط، ولكنها مشكلة من مشاكل الوطن التي تمس كل أوجه الحياة.
أما الأهتمام بالمناطق العشوائية، فيحتاج الى تحديد المناطق العشوائية التي تزداد يوما بعد يوم حتى أصبحت بالآلاف، وتزداد المشكلة تعقيدا مع كل تغيير أو تعديل وزاري، بل مع كل صباح، ويجب أن يوضح الوزير لبيب للشعب ما معنى الاهتمام بالمناطق العشوائية. كلمة واسعة وتحتمل كل الاحتمالات، والشعب لم يعد قادرا على قبول أو شراء سمك في المحيط، ولا حتى في شبكة الصياد، بل أنه يحتاج الى سمك مطهو جيدا. الشعب يريد أن يرى عملا تشترك فيه الحكومة كل الحكومة ويتعاون معها الشعب، ويريد الاستفادة من الخبرات السابقة، وتحديد منهج للاهتمام أو لعلاج عدد محدد من العشوائيات وهي بالآلاف، وعندما ينجح هذا المنهج في علاج ذلك العدد المحدد ننتقل الى علاج عدد آخر، ولربما تتعدد تلك المناهج في ضوء نوعية العشوائية وسكانها ومساحتها وما فيها أو ليس فيها من خدمات، كالمياه والصرف والكهرباء والمدارس والمستشفيات، وتنقيتها مما فيها من تحديات وتعديات على الأمن. عادل لبيب معروف للشعب، ونأمل ألا تكون التحديات أكبر من إمكاناته وإمكانات وزارته.
أما اللواء محمد ابراهيم وزير الداخلية فقد نُقل عنه ‘أن الوزارة ستقوم بالدعم اللوجستي الكامل لتطوير الأداء الأمني في المستقبل وتحقيق آمال الشعب’.
مصر من أندر الدول التي فيها كليات للشرطة ومدارس عديدة للأمن، وهم يدرسون القانون، والضباط مؤهلون لكي يكونوا في سلك الأمن بتعدد مسؤولياته، وهم مؤهلون أيضا للعمل بالمحاماة أو النيابة أو القضاء، وكلها أعمال مهمة جدا تتعلق بأمن المواطن وكرامته وحقوق الانسان.
تطوير الأداء الأمني لهيكل الداخلية، مهمة شاقة ولكنها ليست مستحيلة، هناك الآن دستور جديد يجب ان يكون موضع احترام الجميع، جميع المواطنين وعلى وجه الخصوص جميع المسؤولين، وعلى وجه أخص رجال الأمن. وهذا يقتضي بشكل أوضح القضاء تماماً على أي تجاوزات، وفرض العقاب عليها، وهذا من أسس العدالة الناجزة المطلوبة. أتمنى أن يأمر وزير الداخلية بكتابة مواد الحقوق والحريات والواجبات العامة، وتعليقها في مكان بارز في كل نقطة شرطة أو مركز أو مديرية أمن أو محكمة، وفي كل مكان له علاقة بالأمن أو التعامل مع الجماهير. وفي مقدمة تلك الحقوق أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. سمعت عن سلوك انساني عظيم لضابطين كبيرين، أحدهما كان في سجن طرة والآخر في سجن القناطر. هذا على سبيل المثال لا الحصر. تعجبت مما قيل في حقهما وإنسانياتهما الراقية، وسط مظالم سجون مبارك التي لا تخفى على نظر وزير الداخلية وسمعه وبصره. كان الضابط الأول أيام مبارك يتأكد بنفسه من إطعام المساجين والاشراف المباشر على المطعم وإعطائهم حقوقهم كاملة، ولكن هذا الضابط لم يدم طويلا في وظيفته، أما الضابط الثانى في سجن القناطر، فكان يسعى في حل مشاكل المساجين، حتى لو كانت مالية قدر المستطاع.
لماذا لا نرى الجميع على هذه الشاكلة الحضارية؟ صحيح هناك إرهابيون وهناك أهل عنف وهناك بلطجية، وهناك مجرمون اتهموا أو ضبطوا في جرائم مختلفة، القانون يكفي لعلاج هذه الحالات كلها، وإن لم يكن يكفي فعلينا سن قوانين جديدة للعلاج من دون انتهاك أي من حقوق الانسان (المواطن)، حتى ترقى صورة مصر. هذه بعض مرئيات لما صدر من تصريحات لهؤلاء الوزراء الكرام، ونتمنى لهم النجاح والتوفيق، خصوصا الاهتمام بالعشوائيات، واحترام الحقوق والحريات.

القدس العربي


Navigate through the articles
Previous article بين شؤون الدولة والرياضة! لماذا تتهيب الفضائيات العربية من تناول الانتخابات الجزائرية؟ Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع