في ظل الخوف الرهيب والضبابية الكبيرة
اللذان يخيمان على البلاد عشية انتخابات رئاسية من المتوقع أن تكون لها تداعيات
خطيرة إذا بقي الرئيس مرشحا دون أن يقدر حتى على اعلان ذلك، أجد نفسي مجبرا أن
أواصل الابتعاد عن الكتابة في هموم الرياضة ومتعتها إلى حين، علما أن مستوى الرياضة
الجزائرية تراجع بعشرات السنين وتراجعت معه الأخلاق والقيم في الوسط الرياضي في ظل
انعدام استراتيجية وطنية واضحة لتطوير الممارسة الرياضية منذ الاستقلال مما انعكس
على الأداء وعلى معنويات الرياضيين وعشاق الرياضة عموما على الرغم من تتويج الجزائر
بكأس أمم افريقيا لكرة اليد وتأهلنا إلى المونديال للمرة الثانية على التوالي، لذلك
لم تعد الكتابة في الرياضة تستهويني أو تستفزني فوجدت نفسي أخوض مع الخائضين في هذا
الحراك الحاصل بين المغامرين والمطبلين لمحاولة فهم وتفسير ما يحدث وسيحدث لاحقا
لبلد وجد نفسه فجأة في دوامة لا ندري أين ستؤدي بنا..
القيم والأخلاق والمبادئ تراجعت أيضا في ظل الوضع السياسي السائد والقائم على
الإقصاء والحقد والتخوين لكل من يختلف معنا، وصرت أُستفز كغيري من الجزائريين بهذه
الأوضاع البائسة التي نعيشها اليوم ودوامة الشك والتشكيك الحاصل، واستفز مثل غيري
عندما أسمع المطبلين والانتهازيين يقولون بأن من يتحفظ عن دعم العهدة الرابعة هو
خائن للوطن يجب محاربته، ومن يدعمها ويدعم بقاء بوتفليقة فهو يحب وطنه ويسعى إلى
استقراره ووحدته، كما صارت تستفزني كل أشكال الكذب والنفاق السياسي الذي يمارس هنا
وهناك من مؤيدين ومعارضين وصل الأمر ببعضهم إلى محاولة شراء الذمم بعد ما حاولوا
تكسير سلطة المؤسسات لفرض سلطة المال المشبوه!!
الوضع مقلق ومتعفن لا يحتمل مزيدا من الاحتقان ولا يحتمل مزيدا من الخداع والتحايل
والإساءة للرجال والمؤسسات، ولكنه لا يجب أن يقودنا إلى التهور والمغامرة بمستقبل
الأجيال، ولا يجب أن يمنعنا من التعبير عن آرائنا ومواقفنا، لأن التاريخ سيحاسبنا
ويسجل على كل واحد منا موقفه تجاه واحدة من أكبر الأزمات الأخلاقية والسياسية
والمؤسساتية التي أدت إلى الخلط بين منصب رئيس الجمهورية كمؤسسة دستورية تلزمنا
الاحترام، وبين المترشح للرئاسة عبد العزيز بوتفليقة الذي يبقى إنسانا ومواطنا غير
معصوم من الخطأ وبإمكاننا انتقاده ومعارضته دون الحاجة إلى ممارسة نفس طقوس
المحيطين به والمنتفعين من استمراره لعهدة رابعة وخامسة وأبدية..
صحيح أن رحيل بوتفليقة لن يحل كل مشاكل الجزائريين، لأنها عديدة ومتعددة الأشكال
وتزداد كل يوم، ولن يقضي كلية على الجهوية والظلم والفساد والتخلف الذي نعيشه، ولكن
بقاءه أيضا وهو غير قادر على قيادة الأمة لن يؤدي بالضرورة إلى الاستقرار الذي
يعدنا به المطبلون للعهدة الرابعة، وسيقتل فينا الأمل في التغيير والتجديد ويزيد من
الاحتقان والانتقام ومن حدة تصفية الحسابات بعد السابع عشر أفريل.
ونظرا لكل هذا، فإن الكتابة اليوم في أي شيء آخر خارج دائرة الدولة ومن يعبث بها
أصبحت أمرا ثانويا ليس له أهمية، لأننا نعيش وضعا خطيرا ولم نعد مجتمعا سويا
متوازنا ومنسجما مع التحولات التي يشهدها العالم، وحتى الكتابة عن هموم الرياضة
وأسرة التربية والتعليم والتلاميذ والطلبة وغلاء المعيشة وتراجع الأخلاق وتفشي
الفساد أصبحت أمورا ثانوية أمام الخطر الذي يصادف الأمة بسبب رغبة الرئيس ومحيطه في
البقاء وهم يعلمون بأنه لم يعد قادرا على القيام بمهامه، وبسبب نوايا تحطيم
المؤسسات وإهانة الرجال واحتقار الشعب وتقزيمه من طرف مغامرين وفاشلين لا يقدرون
حجم الجزائر وصبر شعبها الذي إذا نفذ سيكون الدمار الذي لن يتخيله أحد.
الشروق
Navigate through the articles | |
البشير يلاحق ‘الكتاب الأخضر’ بالتورط في الجنوب الليبي مجددا | متى تتطابق الأعمال مع الأقوال؟ |
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع
|