المقالات و التقارير > ليبيا خارج السيطرة… ‘تورا بورا’ عربية؟

ليبيا خارج السيطرة… ‘تورا بورا’ عربية؟

يبدو ان النتيجة الوحيدة التي اسفر عنها المؤتمر الدولي الذي انعقد في روما الجمعة بشأن ليبيا، بحضور وفود من اربعين دولة، هوالاتفاق على ان الاوضاع هناك خرجت عن السيطرة، لمصلحة الجماعات المسلحة التي باتت تفرض هيمنتها على مساحات شاسعة من البلاد، فيما فقدت الادارة السياسية الممثلة في حكومة وبرلمان متناحرين ما تبقى لهما من مصداقية او سلطة.
وبشكل منفصل، أعلنت فرنسا وألمانيا على هامش المؤتمر عن مشروع مشترك بهدف ‘تأمين مستودعات السلاح في ليبيا’ في اعتراف مباشر بوقوع تلك المستودعات في الايدي الخطأ.
وطالب الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي بدعم الدور الذي تضطلع به بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا، (يونسميل)’ فضلا عن اعتماد مقاربة شاملة في معالجة مختلف الملفات المتعلقة بالتحديات الراهنة في ظل مصالحة وطنية شاملة ذات مصداقية وتوافق بين الليبيين حول مختلف الخيارات المطروحة لمستقبل ليبيا السياسي دون أي إقصاء’. وهو كلام دبلوماسي لا يساوي ثمن الحبر الذي كتب به يهدف لتجميل الواقع المرير الذي يشير الى ان اغلب النصف الشرقي من ليبيا خرج تماما عن سلطة الحكومة وربما تحول بالفعل الى ‘تورا بورا’ جديدة او ‘شبه دولة’ للقاعدة واخواتها، سرعان ما ستحاول ان توسع نفوذها الاقليمي.
اليس بعض المجتمعين في روما هم اعضاء حلف الناتو الذي ادت غاراته على ليبيا في العام 2011 الى قتل الآلاف من الابرياء ثم تحويل هذا البلد الغني بموارده وموقعه الاستراتيجي الى جنة للجماعات الارهابية؟ واليست هذه هي الجامعة العربية التي ايدت ذلك التدخل العسكري للناتو دون قيد او شرط؟
اما ‘المشروع الالماني الفرنسي الجديد’ لتأمين مستودعات الاسلحة فليس سوى مشروع تدخل جديد. وبكلمات اخرى فان الشعب الليبي الذي دفع المليارات تكاليف التدخل الكارثي الاول سيكون عليه دفع مليارات اضافية لتمويل تدخل جديد.
وحسب تقارير اعلامية فان مساعدا مصريا لايمن الظواهري يدعى ثروت صلاح شحاتة يعد الحاكم الفعلي في شرق ليبيا، وهو يقف وراء عمليات الاعدام الاجرامية التي استهدفت عددا من الاقباط مؤخرا، ناهيك عن عمليات الاختطاف المتكررة التي لم ينج منها حتى رئيس الوزراء نفسه، عندما اصطحبه مسلحون امام العالم وهو يرتدي الجلباب الى مكان مجهول.
ورغم ان اولئك المسلحين ظهروا في وسائل الاعلام مكشوفي الوجوه مؤكدين مسؤوليتهم عن العملية لم تستطع ‘الحكومة’ ان تعتقلهم حتى هذه اللحظة.
وفي محاولة واضحة لاستجداء التعاطف الشعبي، عقدت الحكومة الليبية صفقة مالية ضخمة مع دولة النيجر الفقيرة لاستعادة الساعدي القذافي لمحاكمته. فهل يمكن ان يساعدها ذلك على استعادة مصداقيتها خاصة بعد فشلها في تأمين مقر المؤتمر العام او البرلمان الذي تحول الى حطام بعد هجوم من احدى الجماعات الارهابية؟
وبالطبع فان الساعدي القذافي يستحق المحاكمة، بالنظر الى جرائمه الشاذة سواء كلاعب كرة او رجل اعمال او غير ذلك، ومنها اتهامه بقتل مدرب لكرة القدم عقابا على انتقاده ادائه في الملعب، او قيامه بحرق النادي الاهلي بمن فيه، لكن اذا كانت ليبيا تفتقد اليوم الى اي شكل من اشكال الدولة، فهل من الوارد ان يتحدث احد عن امكانية توفير ‘محاكمة عادلة’ في حضرة شهوة دموية للانتقام السياسي؟
ومن المفارقة ان تتسلم الحكومة نجل القذافي في الوقت الذي يتزايد عدد الليبيين المترحمين على ايام الزعيم الليبي الراحل ليس لانه كان اقل اجراما او شذوذا، لكن لانهم اصبحوا يفتقدون الحد الادنى من الامن والاستقرار في عهده.
لقد كان المجتمع الليبي في الماضي قادرا على حل خلافاته ومشاكله بالرجوع الى نفوذ القبيلة وسيطرة العادات والتقاليد. وبعد ان قدم آلاف الضحايا من اجل الحرية في ثورة 17 شباط/فبراير ضد الحكم الديكتاتوري الفاسد للقذافي، جاء الغرباء والمسلحون ليحرموه من حقه في دولة ديمقراطية حديثة تعوضه معاناة امتدت لعشرات السنين.
واخيرا فان ليبيا تقف اليوم على شفا حرب اهلية تهدد وحدتها ومصيرها، بل ومحيطها الاقليمي؟ فهل من تحرك عربي لتفادي الكارثة قبل فوات الاوان؟

القدس العربي


Navigate through the articles
Previous article خطاب الصادق المهدي إلى أمبيكي واستشهاد جدي الأمير ‘راكب’ في ‘أم دبيكرات’ إطلاق مناهج للدراسات الإسلامية في المدارس بكينيا Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع