المقالات و التقارير > الكينيون من أصل صومالي يسعون جاهدين لتغيير بصمة الإرهاب الذي طبعه المجتمع

الكينيون من أصل صومالي يسعون جاهدين لتغيير بصمة الإرهاب الذي طبعه المجتمع



بعد مرور قرابة ستة أشهر على الهجوم الإرهابي الذي استهدف مركز وستغيت التجاري، يشعر الكينيون من أصل صومالي أنهم ما زالوا "في قفص الاتهام بالتواتر" من خلال ربطهم بحركة الشباب، ويتعرضون في حياتهم اليومية جراء ذلك لتمييز منقطع النظير.

وفي مسعى لوضح حد لصورة الإرهاب النمطية التي طبعت مجتمعهم، يحاول الكينيون المتحدرون من الصومال من نواب وزعماء دينيين ومعلمين وأهالي نشر رسائل تدعو إلى اللاعنف وتظهر مخاطر التطرف وتشدد على أهمية إبلاغ الشرطة بأي أنشطة مشبوهة.

وفي هذا الإطار، أوضح الطالب في جامعة نيروبي سليمان حسن عبدي، 23 عاما، أن المجتمع الصومالي قد طبع بشكل غير عادل بصور نمطية سلبية على الرغم من انغماس مجتمعات أخرى أيضا في أنشطة إرهابية.

وقال عبدي لصباحي، وهو كيني من أصل صومالي متحدر من مقاطعة واجير، "يتحمل المجتمع بأكمله عبء أفعال يقترفها بضعة أفراد من المجرمين، ولكننا لا نجلس مكتوفي الأيدي. فالمجتمع الصومالي يقوم بأنشطة [لمكافحة التطرف] ربما لا يراها سائر المجتمعات، إلا أننا نعمل ما في وسعنا لاستعادة دورنا المحوري في ردع أصحاب النوايا سيئة".

وأكد عبدي أنه في الوقت الذي يدعو فيه رجال الدين من اصل صومالي في المساجد إلى اعتماد اللاعنف، يلعب سائر أعضاء المجتمع دورهم أيضا في هذا المجال.

وأوضح، "خلال خطبهم، يشدد رجال الدين على إن الأعمال الإرهابية التي تستهدف المدنيين تتنافى مع أحكام الشريعة الإسلامية وإنه يحرم على المسلم التعاون مع شخص أو مجموعة متورطين في عمل إرهابي وعنفي"، مضيفا أن مدونات الشبان عبر وسائل التواصل الإجتماعية تنشر أيضا رسائل مشابهة لفتح الباب أمام نقاش إيجابي.
 

'المجرمون يختبأون بيننا'

من جانبه، أعرب النائب عن بلدة غاريسا آدن دوالي عن دعمه وتشجيعه للجهود التي يبذلها المجتمع الصومالي.

وقال لصباحي، "كلما عقدت اجتماعات ذات طابع سياسي أو أمني في دار البلدية، أقول بكل صراحة أن المجرمين يختبأون بيننا. وأنبه أبناء المجتمع أنه من واجبهم إما إبلاغ المسؤولين الأمنيين عن المشتبه بهم أو الامتناع عن إيوائهم".

وأضاف، "أغلبية الصوماليين هم من المواطنين الذين يحترمون القانون ويمقتون المتطرفين وأعمال العنف. ومن واجب الأكثرية الصالحة ردع الأقلية المتشددة عن السير في هذا الطريق".

ومع ذلك يقول دوالي، فإن نتائج جهودهم تتأثر سلبا بالمعاملة التي يتلقاها الصوماليون.

وأوضح أن "الصوماليين الذين يأتون من مقاطعات غاريسا وواجير وحتى مانديرا، غالبا ما يفيدون عن تعرضهم لمضايقات على نقاط التفتيش المنتشرة على طول الطرقات. من غير المقبول أن يستهدف الصوماليون فقط ومن شأن ذلك إثارة السخط والعصيان".

وأكد أن المجتمع الصومالي هو ضحية المجموعات الإرهابية كما هو ضحية الرأي العام الذي يلومه لعدم قيامه بأي عمل لوقف العنف.

وتابع دوالي، "لم يعط المجتمع الصومالي حقه لجهة دوره في مساعدة المسؤولين الأمنيين الكينيين على إحباط المؤامرات التي تهدد الأمن والناس".

وأشار إلى إنه علاوة على ذلك، لا ترحب الشرطة دائما بالتقارير التي يتقدم الصوماليون بها حول الأنشطة المشبوهة. فقد تطوع بعض أفراد المجتمع بتقديم معلومات، [ولكن] بدلا من أن يأخذ المسؤولون الأمنيون هذه المعلومات عل محمل الجد، احتجزوا المتطوعين واستجوبوهم بشكل غير قانوني".
 

استخدام الإذاعة كمنبر لنشر رسائل غير عنيفة

على خط متواز، ينشط أيضا ضمن المجتمع الصومالي النائب عن كاموكونجي يوسف حسن عبدي، الذي أصيب العام الماضي في هجوم بالقنابل استهدف موقعا بالقرب من مسجد في حي إيستليه.

وفي حديث لصباحي قال عبدي، "نستخدم محطات الإذاعة والتلفزيون التي تبث باللغة الصومالية لنصل إلى عامة الناس وندين عبرها الأعمال الإرهابية. لا نستطيع التوجه إلى أرض المعركة لمحاربة المتطرفين، ولكننا نأمل أن تكون الغلبة في مجتمعنا لكلماتنا الدمثة".

وأكد عبدي أنه للمساعدة على إرساء أسس أفضل للتفاهم بين المجتمعات، يعمل على تشجيع المواطنين للتواصل مع بعضهم البعض وإشراك المجتمعات الأخرى في مختلف الأنشطة.

وأضاف أنه انطلاقا من هذه الروح، غالبا ما تنظم الجالية الصومالية في حي إيستليه الذي يمثله أنشطة مشتركة مع الجماعات الأخرى كتنظيف الحي وعقد مؤتمرات للحوار بين الأديان.

وفي السياق نفسه، أكدت مديرة إذاعة المجتمع الأهلي في واجير حليمة كاهيي لصباحي، أن الإذاعة تدعو أسبوعيا مختلف القيادات الدينية للحديث عن الدين والعنف.

وقالت، "تعد الإذاعة منصة للتواصل مع المستمعين وأغلبيتهم يتكلمون اللغة الصومالية. يغتنم [الزعماء الدينيون] هذه الفرصة لإدانة أعمال العنف، مشددين على إنها تخالف الإسلام".

وأضافت أن الصوماليين يتألمون جراء الهجوم الذي استهدف مركز وستغيت التجاري وجراء الهجمات الإرهابية الأخرى التي وقعت في أنحاء البلاد، ويأملون بانحسار الصور النمطية التي طبعتهم.

من جهته، أوضح الشيخ مختار عبدي إمام مسجد النور في بلدة مانديرا، أن رجال الدين يقومون بدورهم أيضا ويتحملون مسؤولية مكانتهم القيادية المهمة.

وقال لصباحي، "ندعو إلى إحلال الوئام ونوعظ القرآن كما هو. فالقرآن لا يدعو إلى العنف، ونحث المصلين على الامتناع عن القيام بأعمال عنفية".
 

الأمهات يراقبن أولادهم بيقظة ويحتطن من الأقارب الذين يزورونهم

وتشارك الأمهات الصومالية في هذه الجهود وتعمدن إلى مراقبة أطفالهن وتلعبن دورا مهما في الكفاح الذي يخوضه المجتمع ضد حركة الشباب.

ومن مخيم هاغاديرا للاجئين، تحدثت إلى صباحي زينب إسماعيل حسن، 47 عاما، وقالت إن نحو 25 أما من الأمهات في المكان الذي تقيم به قد منعن أطفالهن من التوجه إلى خارج المخيمات. وأضافت أنها لا تسمح لأطفالها الأربعة بمغادرة المنزل دون إذنها، وهم صبيان وفتاتان تتراوح أعمارهم بين 13 و20 عاما.

وقالت حسن أن إبنيها غالبا ما كانا يسافران إلى الصومال لزيارة أقاربهم وأصدقائهم، ولكن منذ وقوع سلسلة الهجمات التي نفذتها حركة الشباب عام 2012، قالت أنها "منعتهم من الذهاب إلى الصومال. لقد توفى والدهم عام 2010 وأصبحت مسؤوليتي كبيرة".

واضافت، "اننا نتحمل مسؤولية [مراقبة أنشطتهم] بعد أن اكشتفنا أن بعضهم يستخدم الزيارة كذريعة للتواصل مع هؤلاء الناس السيئين الذين يقتلون المواطنين الأبرياء بالقنابل".

أما كاثرا عبدي علي، وهي أم لثلاثة أطفال من بلدة واجير وتبلغ 40 عاما، فقالت لصباحي إنها تطلب من الأقارب الذين يرغبون بزيارتهم إبلاغها مسبقا بموعد وسبب الزيارة.

وأضافت علي أنها قررت اتباع هذه القاعدة بعد سلسلة الهجمات بالقنابل اليدوية والبنادق التي شهدتها واجير والتي أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من المدنيين ورجال الأمن.

وأوضحت أن "التقاليد الصومالية توجب علينا الترحيب بالزوار بأذرع مفتوحة، ولكن الأمهات في واجير [أصبحن حذرات حول من يجب استضافته] بعد أن اكتشفن أن بعض الزوار لا يتمتعون بنوايا حسنة"، مضيفة أنها تطالب أطفالها بإخبارها بكل تحركاتهم ونشاطاتهم.

ومع إقرارها بمشاركة بعض الصوماليين في أنشطة إجرامية، أكدت علي أن الصوماليين في واجير يساعدون مسؤولي الأمن من خلال توفير المعلومات لهم، مثل ما حدث مؤخرا في 5 شباط/فبراير، عندما نبه السكان الشرطة إلى وجود متفجرات مدفونة قرب مدرسة واجير الابتدائية.

وقالت، "ينبغي التعامل مع بعض هذه المعلومات بأكبر قدر من السرية إذ أن المخبرين يتعرضون لمخاطر جمة".
 

المدارس تواجه محاولات التجنيد التي تقوم بها حركة الشباب

من جانبه، قال بوكاري حسن عبدي وهو صاحب فندق يبلغ 56 عاما، إن مشغلي الفنادق يمتثلون كليا إلى توجيهات الحكومة لجهة تسجيل بيانات النزلاء، كما إن بعض الفنادق اتخذ احتياطات أمنية إضافية كتثبيت كاميرات.

وأضاف لصباحي، "لقد أعطيت الأولوية للأمن قبل الربح المادي. نحن لا نقبل باستضافة أي شخص لا يدلي ببياناته كاسمه وتاريخ ميلاده ومواصفاته الجسدية وعناوين أخرى للاتصال به والغرض من زيارته".

وتابع، "لقد تم التخطيط لبعض الهجمات من الفنادق، ونحن نبذل ما في وسعنا لعدم إيواء المهاجمين المحتملين".

وينضم معلمو المدارس إلى جهود الجالية الصومالية لوقف تمدد حركة الشباب.

وفي هذا الإطار، قال أحمد حسين محمد لصباحي، وهو مدرس في ثانوية مانديرا، إن المعلمين ومديري المدارس في المنطقة باتوا مدركين لمحاولات حركة الشباب تجنيد الطلاب الفقراء الذين يعجزون عن تسديد الرسوم المدرسية.

وأضاف حسين أنه لأبقاء الطلاب في عمل دائم، تقدم بعض المدارس التعليم مجانا فيما يعرض بعضها الأخر على الأسر الفقيرة إعانات. وأكد إن مساهمات الحكومة المحلية والمعلمين والمجتمع المحلي تساعد في دفع تكاليف التعلم.

وتابع، "نظمنا أيضا حلقات بحثية في المدارس ونستفيد من مجالس تعقد أسبوعيا للتوعية حول خطر الانضمام إلى المتطرفين. ونشجع الطلاب على إدراك قيمة حياتهم وحياة الآخرين، ونشرح لهم أن مسؤوليات جمة تنتظرهم في المستقبل إلى جانب الوظائف الكبيرة وكيف إن الانضمام إلى الإرهابيين لن يكون في مصلحتهم أو في مصلحة المجتمع".
الصباحي


Navigate through the articles
Previous article ‘السيدة الأولى’ و’الجميلة والمغامر’: مسلسلان عن زوجتي مبارك وبن علي غوداني يصف العملية العسكرية للأميصوم بـ"الغزو" Next article
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع