نجحت جهود لجنة اهلية في التوصل الى هدنة
مؤقتة بين قبيلتي بني هلال والدابودية في اسوان، بعد مواجهات دموية اسفرت عن مقتل
خمسة وعشرين شخصا واصابة العشرات، وحرق عدد كبير من البيوت والممتلكات، في احراج
للدولة الامنية التي عادت تجر ذيول الهزيمة بعد ان فشل المحافظ، مخفورا بقوات خاصة
من الشرطة والجيش، في مجرد الوصول الى موقع المجزرة.
اللافت ان المحافظ الذي اضطر امس الاول الى مغادرة منطقة السيل الريفي التي شهدت
الاحداث استجابة لـبنصيحة بعض العقلاءب بالحفاظ على سلامته، وجد من الشجاعة امس ما
جعله يتعهد باعتقال أي فرد ايثير الشغب أو يحمل سلاحاب من القبيلتين المتصارعتين
بالمدينة.
وبدلا من ان يعرض تقديم استقالته بعد ان فقد السيطرة على المدينة، اثر قطع الطريق
الدولي بين شمالها وجنوبها، قال اسيتم ضبط مثيري الشغب وحائزي الأسلحة’، مشيرا الى
االقاء القبض على 8 أشخاص من المتهمين بإثارة الشغبب.
وربما لا يقدر كثيرون خطورة ما شهدته اسوان من مواجهات دموية غير مسبوقة خلال
اليومين الماضيين، اذ ان الطبيعة شديدة الخصوصية لصعيد مصر ثقافيا واجتماعيا، تفرض
توخي كثير من الحذر في التعامل مع هذه ‘الشرارة’ التي قد تكون مقدمة لمواجهات لا
تقف حدودها عند اسوان او حتى الصعيد، بسبب الامتدادات العائلية والقبلية الواسعة
والمتشعبة في التركيبة السكانية في مختلف انحاء البلاد.
اما الواقع فهو ان العقلية الامنية التي طالما تصدت لكافة القضايا في عهد حسني
مبارك، عادت لتمارس الدور نفسه في مواجهة هذه المشكلة ذات الطبيعة الاجتماعية
والثقافية، لكنها سرعان ما اكتشفت عجزها في مواجهة ميراث الغضب المدجج بالاسلحة.
ولم يضيع المتحدث باسم القوات المسلحة ‘الفرصة’ فسارع لتوجيه الاتهام الى ‘الاخوان’
باشعال المواجهات، في الوقت نفسه الذي كانت الدولة فيه ممثلة في المحافظ الذي يتمتع
بسلطة رئيس الجمهورية (حسب النظام السياسي المصري) عاجزة عن مجرد التواجد في موقع
المجزرة ناهيك عن ان تقوم بالتحقيق، وتكشف الضلوع الاخواني المزعوم فيها.
ولكن هذا الاتهام ليس مجرد ممارسة للانتهازية السياسية، كان حريا بالمتحدث باسم
الجيش ان يتركها للحكومة او اي من الاحزاب المعادية للاخوان، بل انه تحريض مباشر
على القتل، واخذ الثأر من كل شخص له علاقة بالاخوان.
ويدرك من يعرفون طبيعة الصعيد ان بعض قضايا الثأر لا يعرف حدودا زمانية او مكانية،
حسب العادات والتقاليد التي كرسها ضعف الدولة وربما غيابها.
لكن اهالي اسوان سرعان ما فهموا الهدف من اقحام اسم الاخوان في القضية، واعلنوا ان
الصراع لا علاقة له بالسياسة في احراج جديد للدولة الامنية، خاصة بعد ان استجابت
العائلتان المتنازعتان لنداء الحكماء بفرض هدنة تسمح بدفن الموتى، وعلاج الجرحى،
وستر العائلات التي حرقت بيوتها. ولا غرو ان رئيس الحكومة لم يكن افضل حظا في علاج
الازمة، وهو الذي يعتبر ان ‘الحكم الرشيد’ يقتصر على التنقل من موقع الى اخر، او من
مدينة الى اخرى، سعيا الى تحقيق ‘مكاسب اعلامية’، اصبحت ضرورية للبقاء في منصبه.
ليست الدولة الامنية هي ما يتطلبه حل ازمة اسوان، بل دولة التعليم والمواطنة
والعدالة الاجتماعية.
المطلوب علاج للجذور السياسية والثقافية التي ادت الى تراكم كل هذا الغضب، والعنف
والرفض للدولة ورموزها.
الا ان مثل هذا الكلام قد لا يجد محلا للاعراب وسط اجواء اصبح الامن فيها عنوانا
اساسيا وربما وحيدا في لغة الحياة اليومية والقنوات الفضائية والبرامج الانتخابية.
فهل ستكون هزيمة الدولة الامنية في اسوان مقدمة تراجعها ام تغولها في مدن اخرى؟
القدس العربي
Navigate through the articles | |
ماذا لو زور بوتفليقة الانتخابات؟ | المعسكر المهزوم والفرصة الاخيرة |
التعليقات تخص صاحبها ولا تخص ادارة الموقع
|